الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }

{ فَأَصْبَحَ فِى ٱلْمَدِينَةِ خَائِفاً } وقوع المكروه به { يَتَرَقَّبُ } يترصد ذلك أو الأخبار هل وقفوا على ما كان منه وكان عليه السلام فيما يروى قد دفن القبطي بعد أن مات في الرمل، وقيل: خائفاً وقوع المكروه من فرعون يترقب نصرة ربه عز وجل، وقيل: يترقب أن يسلمه قومه، وقيل: يترقب هداية قومه، وقيل: خائفاً من ربه عز وجل يترقب المغفرة، والكل كما ترى، والمتبادر على ما قيل: أن { في المدينة } متعلق بأصبح واسم أصبح ضمير موسى عليه السلام و { خائفاً } خبرها وجملة { يترقب } خبر بعد خبر أو حال من الضمير في { خائفاً }. وقال أبو البقاء: { يترقب } حال مبدلة من الحال الأولى أو تأكيد لها أو حال من الضمير في { خائفاً } اهـ. وفيه احتمال كون { أصبح } تامة واحتمال كونها ناقصة والخبر { في المدينة } ولا يخفى عليك ما هو الأولى من ذلك.

{ فَإِذَا ٱلَّذِى ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ } وهو الإسرائيلي الذي قتل عليه السلام القبطي بسببه { يَسْتَصْرِخُهُ } أي يستغيثه من قبطي آخر برفع الصوت من الصراخ وهو في الأصل الصياح ثم تجوز به عن الاستغاثة لعدم خلوها منه غالباً وشاع حتى صار حقيقة عرفية، وقيل: معنى يستصرخه يطلب إزالة صراخه، و(إذا) للمفاجأة وما بعدها مبتدأ وجملة { يستصرخه } الخبر. وجوز أبو البقاء كون الجملة حالاً والخبر إذا، والمراد بالأمس اليوم الذي قبل يوم الاستصراخ، وفي «الحواشي الشهابية» إن كان دخوله عليه السلام المدينة بين العشاءين فالأمس مجاز عن قرب الزمان وهو معرب لدخول أل عليه وذلك الشائع فيه عند دخولها، وقد بنى معها على سبيل الندرة كما في قوله:
وإني حبست اليوم والأمس قبله   إلى الشمس حتى كادت الشمس تغرب
{ قَالَ } أي موسى عليه السلام { لَهُ مُوسَىٰ } أي للإسرائيلي الذي يستصرخه { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ } ضال { مُّبِينٌ } بين الغواية لأنك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر أو لأن عادتك الجدال، واختار هذا بعض الأجلة وقال: إن الأول لا يناسب قوله تعالى: { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ } الخ لأن تذكر تسببه لما ذكر باعث الإحجام لا الإقدام. ورد بأن التذكر أمر محقق لقوله تعالى: { خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } والباعث له على ما ذكر شفقته على من ظلم من قومه وغيرته لنصرة الحق، وقيل: إن الضمير في { له } والخطاب في { إنك } للقبطي، ودل عليه قوله: { يَسْتَصْرِخُهُ } وهو خلاف الظاهر، ويبعده الإظهار في قوله تعالى: { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا... }.