الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }

وأما توسيط { قال } في قوله تعالى: { قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ } فوجهه ظاهر، والباء في { بما } للقسم، و { ما } مصدرية وجواب القسم محذوف أي أقسم بإنعامك علي لأمتنعن عن مثل هذا الفعل. وقيل: لأتوبن، وقوله تعالى: { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ } عطف على الجواب، ولعل المراد بإنعامه تعالى عليه حفظه إياه من شر فرعون ورده إلى أمه وتمييزه على سائر بني إسرائيل ونحو ذلك. وقيل المراد به مغفرته له وهو غير بعيد، ومعرفته عليه السلام أنه سبحانه غفر له إذا كان هذا القول قبل النبوة بإلهام أو رؤيا، والظهير المعين، والمجرمين جمع مجرم والمراد به من أوقع غيره في الجرم أو من أدت معاونته إلى جرم كالإسرائيلي الذي خاصمه القبطي فأدت معاونته إلى جرم في نظر موسى عليه السلام فيكون في المجرمين مجاز في النسبة للإسناد إلى السبب، وجوز أن يراد بذلك الكفار وعنى بهم من استغاثه ونحوه بناءً على أنه لم يكن أسلم، وقيل: أراد بالمجرمين فرعون وقومه، والمعنى أقسم بإنعامك علي لأتوبن فلن أكون معيناً للكفار بأن أصحبهم وأُكَثِّر سوادهم، وقد كان عليه السلام يصحب فرعون ويركب بركوبه كالولد مع الوالد وكان يسمى ابن فرعون ولا يخفى أن ما تقدم أنسب بالمقام.

وجوز أن تكون الباء للقسم الاستعطافي على أنها متعلقة بفعل دعاء محذوف، وجملة { فلن أكون } الخ متفرعة عليه، والفاء واقعة في جواب الدعاء أو الشرط المقدر أي بحق إنعامك علي اعصمني فلم أكون الخ أو إن عصمتني فلن أكون الخ والقسم الاستعطافي ما أكد به جملة طلبية نحو قولك بالله تعالى زرني وغير الاستعطافي ما أكد به جملة خبرية نحو والله تعالى لأقومن، وإلى هذا ذهب ابن الحاجب، وقيل: القسم الاستعطافي ما كان المقسم به مشعراً بعطف وحنو نحو بكرمك الشامل أنعم علي وهو صادق على ما هنا، وغير الاستعطافي ما كان المقسم به أعم من ذلك، وعلى القولين هما قسمان من مطلق القسم، وظاهر كلام الزمخشري أن المتبادر من القسم ما يؤكد به الكلام الخبري. وينعقد منه يمين فما يكون المراد به الاستعطاف / قسيم له وجعل بعضهم إطلاق القسم على الاستعطافي تجوزاً، ويبعد إرادة الاستعطاف هنا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن موسى عليه السلام لم يستثن أي لم يقل إن شاء الله تعالى فابتلي به أي بالكون ظهيراً للمجرمين مرة أخرى وهو ما في قوله تعالى:فَإِذَا ٱلَّذِى ٱسْتَنْصَرَهُ } [القصص: 18] الخ لأن الاستثناء لا يناسب الاستعطاف لكون النفي معلقاً بعصمة الله عز وجل، وجوز أن تكون الباء سببية متعلقة بفعل مقدر يعطف عليه { لن أكون } الخ و { ما } موصولة، والمعنى بسبب الذي أنعمته علي من القوة أشكرك فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك ولا أدع قبطياً يغلب إسرائيلياً وهو إلزام لنفسه بنصرة أوليائه عز وجل كالنذر وليس هناك قسم بوجه خلافاً لمن توهم ذلك ولا يخفى أن هذا وإن لم يبعده الأثر لا يخلو عن بعد نظر إلى السباق، و { لَنْ } على جميع الأوجه المذكورة للنفي وفي «البحر» قيل: إنها للدعاء وحكى ابن هشام رده بأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب أو الغائب نحو يا رب لا عذبت فلاناً، ويجوز لا عذب الله تعالى عمراً ثم قال ويرده قوله:

السابقالتالي
2 3