الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }

وقوله سبحانه: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ } عطف علىيُنفَخُ } [النمل: 87] داخل في حكم التذكير؛ وترى من رؤية العين، وقوله تعالى: { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي ثابتة في أماكنها لا تتحرك حال من فاعل { تَرَى } أو من مفعوله، وجوز أن يكون بدلاً من سابقه، وقوله عز وجل. { وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } حال من ضمير { الجبال } في { تحسبها } ، وجوز أن يكون حالاً من ضميرها في { جامدة } ومنعه أبو البقاء لاستلزامه أن تكون جامدة ومارة في وقت واحدة أي وترى الجبال رأي العين ساكنة والحال أنها تمر في الجور مر السحاب التي تسيرها الرياح سيراً حثيثاً، وذلك أن الأجرام المجتمعة المتكاثرة العدد على وجه الالتصاق إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تبين حركتها، وعليه قول النابغة الجعدي في وصف جيش:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم   وقوف لحاج والركاب تهملج
وقيل: شبه مرها بمر السحاب في كونها تسير سيراً وسطاً كما قال الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها   مر السحائب لا ريث ولا عجل
والمشهور في وجه الشبه السرعة وأن منشأ الحسبان المذكور ما سمعت، وقيل: إن حسبان الرائي إياها جامدة مع مرورها لهول ذلك اليوم فليس له ثبوت ذهن في الفكر في ذلك حتى يتحقق كونها جامدة وليس بذاك وقد أدمج في التشبيه المذكور تشبيه حال الجبال بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما في قوله تعالى:وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [القارعة: 5].

واختلف في وقت هذا، ففي «إرشاد العقل السليم» أنه مما يقع بعد النفخة الثانية - كالفزع المذكور - عند حشر الخلق يبدل الله تعالى شأنه الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى:وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } [طه: 105-108]، وقوله سبحانه:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48] فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل وبروز الخلق لله تعالى لا يكونان إلا بعد النفخة الثانية وقد قالوا في تفسير قوله تعالى:وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَـٰهُمْ } [الكهف: 47] إن صيغة الماضي في المعطوف مع كون المعطوف عليه مستقبلاً للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك اهـ.

وقال بعضهم إنه مما يقع عند النفخة الأولى وذلك أنه ترجف الأرض والجبال ثم تنفصل الجبال عن الأرض وتسير في الجو ثم تسقط فتصير كثيباً مهيلاً ثم هباءً منبثاً، ويرشد إلى أن هذه الصيرورة مما لا يترتب على الرجفة ولا تعقبها بلا مهلة العطف بالواو دون الفاء في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4