الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }

{ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } بعد ما تحقق تفرده تعالى بالألوهية ببيان اختصاصه بالقدرة الكاملة التامة والرحمة الشاملة العامة عقب بذكر ما لا ينفك عنه، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب تكميلاً لما قبله وتمهيداً لما بعده من أمر البعث، وفي «البحر» قيل: سأل الكفار عن وقت القيامة - التي وعدوها - الرسول صلى الله عليه وسلم وألحوا عليه عليه الصلاة والسلام فنزل قوله: { قُل لاَّ يَعْلَمُ } الآية، فمناسبتها على هذا لما قبلها من قوله تعالى:أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ } [النمل: 64] أتم مناسبة، والظاهر المتبادر إلى الذهن أن (من) فاعل { يعلم } وهو موصول أو موصوف، و { الغيب } مفعوله، والاسم الجليل مرفوع على البدلية من { مِنْ } والاستثناء على ما قيل: منقطع تحقيقاً متصل تأويلاً على حدّ ما في قول الراجز:
وبلدة ليس بها أنيس   إلا اليعافير وإلا العيس
بناءاً على إدخال اليعافر في الأنيس بضرب من التأويل فيفيد المبالغة في نفي علم الغيب عمن في السماوات والأرض بتعليق علمهم إياه بما هو بين الاستحالة من كونه تعالى منهم كأنه قيل: إن كان الله تعالى ممن فيهما ففيهم من يعلم الغيب يعني أن استحالة علمهم الغيب كاستحالة أن يكون الله تعالى منهم، ونظير هذا مما لا استثناء فيه قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع   
وقيل: هو منقطع على حد الاستثناء في قوله:
عشية ما تغني الرماح مكانها   ولا النبل إلا المشرفي المصمم
يعني أنه من اتباع أحد المتباينين الآخر نحو ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه، وقد ذكرهما سيبويه، وذكر ابن مالك أن الأصل فيهما: ما أتاني أحد إلا عمرو، وما أعانه أحد إلا إخوانه فجعل مكان أحد بعض مدلوله وهو زيد وإخوانكم، ولو لم يذكر الدخلاء فيمن نفى عنه الإتيان والإعانة، ولكن ذكرا توكيداً لقسطهما من النفي دفعاً لتوهم المخاطب أن المتكلم لم يخطر له هذا الذي أكد به، فذكر تأكيداً، وعليه يكون الأصل في الآية: لا يعلم أحد الغيب إلا الله فحذف أحد وجعل مكانه بعض مدلوله وهو { من في السماوات والأرض } والبعض الآخر من ليس فيهما، ويكفي في كونه مدلولاً له صدقه عليه ولا يجب في ذلك وجوده في الخارج، فقد صرحوا أن من الكلي ما يمتنع وجود بعض أفراده أو كلها في الخارج على أن من أجلة الإسلاميين من قال بوجود شيء غير الله عز وجل، وليس في السماوات ولا في الأرض وهو الروح الأمرية فإنها لا مكان لها عندهم على نحو العقول المجردة عند الفلاسفة، وقال: إن شرط الاتباع في هذا النوع أن يستقيم حذف المستثنى منه والاستغناء عنه بالمستثنى فإن لم يوجد هذا الشرط تعين النصب عند التميمي والحجازي كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6