الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } أي جعلها بحيث يستقر عليها الإنسان والدواب بإبداء بعضها من الماء ودحوها وتسويتها حسبما يدور عليه منافعهم ـ فقراراً ـ بمعنى مستقراً لا بمعنى قارة غير مضطربة كما زعم الطبرسي فإن الفائد على ذلك أتم، والجعل إن كان تصييرياً فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة، وجملة قوله تعالى: { أَمَّن جَعَلَ } الخ على ما قيل: بدل من قوله سبحانه:أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } [النمل: 60] إلى آخر ما بعدها من الجمل الثلاث وحكم الكل واحد، وقال بعض الأجلة: الأظهر أن كل واحدة منها إضراب وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر داخل في الإلزام بجهة من الجهات، وإلى الإبدال ذهب صاحب «الكشاف»، وسننقل إن شاء الله تعالى عن صاحب «الكشف» ما فيه الكشف عن وجهه { وَجَعَلَ خِلَـٰلَهَا } أي أوساطها جمع خلل، وأصله الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال من قوله تعالى: { أَنْهَـٰراً } وساغ ذلك مع كونه نكرة لتقدم الحال أو المفعول الثاني - لجعل - و { أَنْهَاراً } هو المفعول الأول، والمراد بالأنهار ما يجري فيها لا المحل / الذي هو الشق أي جعل خلالها أنهاراً جارية تنتفعون بها.

{ وَجَعَلَ لَهَا } أي لصلاح أمرها { رَوَاسِىَ } أي جبالاً ثوابت فإن لها مدخلاً عادياً اقتضته الحكمة في انكشاف المسكون منها وانحفاظها عن الميد بأهلها؛ وتكون المياه الممدة للأنهار المفضية لنضارتها في حضيضها إلى غير ذلك، وذكر بعضهم في منفعة الجبال تكوّن المعادن فيها ونبع المنابع من حضيضها ولم يتعرض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان، وعلل ترك التعرض بأنه لو كان المقصود ذلك لذكر عقب جعل الأرض قراراً، ومن أنصف رأى أن منع الجبال الأرض عن الحركة والميلان اللذين يخرجان الأرض عن حيز الانتفاع ويجعلان وجودها كعدمها من أهم ما يذكر هنا لأنه مما به صلاح أمرها ورفعة شأنها، وذكر { لَهَا } دون فيها أو عليها ظاهر في أن المراد ما هو من هذا القبيل من المنافع فتأمل. وإرجاع ضمير { لَهَا } للأنهار ليكون المعنى وجعل لامدادها رواسي ينبع من حضيضها الماء فيمدها لا يخفى ما فيه { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي العذب والملح - عن الضحاك - أو بحري فارس والروم - عن الحسن - أو بحري العراق والشام - عن السدي - أبو بحري السماء والأرض - عن مجاهد - { حَاجِزاً } فاصلاً يمنع من الممازجة، وقد مر الكلام في تحقيق ذلك فتذكر.

{ ءَإِله مَعَ ٱللَّهِ } في الوجود أو في إبداع هذه البدائع على ما مر { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي شيئاً من الأشياء علماً معتداً به وذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره.