الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ } استئناف بياني كأنه قيل فماذا قيل لها بعد الامتحان المذكور؟ فقيل: { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى } الخ ولم يعطف على قوله تعالى:أَهَكَذَا عَرْشُكِ } [النمل: 42] لئلا يفوت هذا المعنى. وجىء بلها هنا دون ما مر لمكان أمرها، و { ٱلصَّرْحَ } القصر وكل بناء عال ومنهٱبْنِ لِى صَرْحاً } [غافر: 36] وهو من التصريح وهو الإعلان البالغ. وقال مجاهد { ٱلصَّرْحَ } هنا البركة. وقال ابن عيسى الصحن وصرحة الدار ساحتها. وروي أن سليمان عليه السلام أمر الجن قبل قدومها فبنوا له على طريقها قصراً من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره. وفي رواية أنهم بنوا له صرحاً وجعلوا له طوابيق من قوارير كأنها الماء وجعلوا في باطن الطوابيق كل ما يكون من الدواب في البحر ثم أطبقوه - وهذا أوفق بظاهر الآية - ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس وفعل ذلك امتحاناً لها أيضاً على ما قيل، وقيل: ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته وثباتاً على الدين، وقيل لأن الجن قالوا له عليه السلام إنها شعراء / السابقين ورجلها كحافر الحمار فأراد الكشف عن حقيقة الحال بذلك، وقال الشيخ الأكبر قدس سره ما حاصله إنه أراد أن ينبهها بالفعل على أنها صدقت في قولها في العرشكَأَنَّهُ هُوَ } [النمل: 42] حيث إنه انعدم في سبأ ووجد مثله بين يديه فجعل لها صرحاً في غاية اللطف والصفاء كأنه ماء صاف وليس به، وهذا غاية الإنصاف منه عليه السلام ولا أظن الأمر كما قال والله تعالى أعلم. واستدل بالآية على القول بأن أمرها بدخول الصرح ليتوصل به إلى كشف حقيقة الحال على إباحة النظر قبل الخطبة وفيه تفصيل مذكور في كتب الفقه.

{ فَلَمَّا رَأَتْهُ } أي رأت صحته بناء على أن الصرح بمعنى القصر { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } أي ظنته ماء كثيراً { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } لئلا تبتل أذيالها كما هو عادة من يريد الخوض في الماء، وقرأ ابن كثير برواية قنبل { سأقيها } بهمز ألف سأق حملاً له على جمعه سؤق وأسؤق فإنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فأنجر ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه.

وفي «البحر» حكى أبو علي أن أباحية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة وأنشد:
أحب المؤقدين إلى مؤسى   
وفي «الكشف» الظاهر أن الهمز لغة في ساق ويشهد له هذه القراءة الثابتة في السبعة. وتعقب بأنه يأباه الاشتقاق. وأياً ما كان فقول من قال: إن هذه القراءة لا تصح لا يصح { قَالَ } أي سليمان عليه السلام حين رأى ما اعتراها من الدهشة والرعب، وقيل: القائل هو الذي أمرها بدخول الصرح وهو خلاف الظاهر { إِنَّهُ } أي ما حسبته لجة { صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } أي مملس ومنه الأمرد للشاب الذي لا شعر في وجهه وشجرة مرداء لا ورق عليها ورملة مرداء لا تنبت شيئاً والمارد المتعري من الخير { مّن قَوارِيرَ } من الزجاج وهو جمع قارورة.

السابقالتالي
2 3