الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

{ قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } فصله عما قبله للإيذان بما بين القائلين ومقالتيهما وكيفيتي قدرتيهما على الإتيان به من كمال التباين أو لإسقاط الأول عن درجة الاعتبار. واختلف في تعيين هذا القائل فالجمهور ومنهم ابن عباس ويزيد بن رومان والحسن على أنه آصف بن برخيا بن شمعيا بن منكيل، واسم أمه باطورا من بني إسرائيل كان وزير سليمان على المشهور، وفي «مجمع البيان» أنه وزيره وابن أخته وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم، وقيل كان كاتبه. وأخرج ابن أبـي حاتم عن مجاهد أنه رجل اسمه اسطوم، وقيل: اسطورس. وأخرج ابن أبـي حاتم عن زهير بن محمد أنه رجل يقال له ذو النور. وأخرج هو أيضاً عن ابن لهيعة أنه الخضر عليه السلام، وعن قتادة أن اسمه مليخا؛ وقيل: ملخ. وقيل: تمليخا. وقيل: هود. وقالت جماعة هو ضبة بن أد جد بني ضبة من العرب وكان فاضلاً يخدم سليمان كان على قطعة من خيله، وقال النخعي هو جبريل عليه السلام، وقيل: هو ملك آخر أيد الله تعالى به سليمان عليه السلام، وقال الجبائي: هو سليمان نفسه عليه السلام. ووجه الفصل عليه واضح فإن الجملة حينئذٍ مستأنفة استئنافاً بيانياً كأنه قيل: فما قال سليمان عليه السلام حين قال العفريت ذلك؟ فقيل: قال الخ ويكون التعبير عنه بما في النظم الكريم للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه، ويكون الخطاب في قوله: { أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } للعفريت وإنما لم يأت به أولاً بل استفهم القوم بقوله:أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا } [النمل: 38] ثم قال ما قال وأتى به قصداً لأن يريهم أنه يتأتى له ما لا يتهيأ لعفاريت الجن فضلاً عن غيرهم.

وتخصيص الخطاب بالعفريت لأنه الذي تصدى لدعوى القدرة على الإتيان به من بينهم، وجعله لكل أحد كما في قوله تعالى:ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن لا تَعُولُواْ } [النساء: 3] غير ظاهر بالنسبة إلى ما ذكر. وآثر هذا القول الإمام وقال إنه أقرب لوجوه. الأول: أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان وقد تقدم في هذ السورة ما يستأنس به لذلك فوجب إرادته وصرف اللفظ إليه وآصف وإن شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبـي وهو أعلم بالكتاب من أمته. الثاني: أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لأحد من أمته دونه لاقتضى تفضيل ذلك عليه عليه السلام وأنه غير جائز. الثالث: أنه لو افتقر في إحضاره إلى أحد من أمته لاقتضى قصور حاله في أعين الناس.

السابقالتالي
2 3 4 5