الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }

و { أن } في قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ } يحتمل أن تكون مفسرة و(لا) ناهية. ويحتمل أن تكون مصدرية ناصبة للفعل و(لا) نافية، وقيل: يجوز كونها ناهية أيضاً، ومحل المصدر الرفع على أنه بدل منكِتَابٌ } [النمل: 29] أو خبر لمبتدأ مضمر يليق بالمقام أي مضمونه أن لا تعلوا عليَّ أي أن لا تتكبروا علي كما يفعل جبابرة الملوك، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية وهب بن منبه والأشهب العقيلي { أَن لا تَغْلُواْ } بالغين المعجمة من الغلو وهي مجاوزة الحد أي أن لا تتجاوزا حدكم { وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } عطف على ما قبله فإن كانت فيه (لا) ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر وإن كانت نافية وأن مصدرية فعطفه عليه من عطف الإنشاء على الإخبار والكلام فيه مشهور، والأكثرون على جوازه في مثل هذا.

والمراد بالإسلام الإيمان أي وأتوني مؤمنين، وقيل: المراد به الانقياد أي ائتوني منقادين مستسلمين. والدعوة على الأول دعوة النبوة وعلى الثاني دعوة الملك واللائق بشأنه عليه السلام هو الأول. وفي بعض الآثار كما ستعلم إن شاء الله تعالى ما يؤيده. ولا يرد أنه يلزم عليه أن يكون الأمر بالإيمان قبل إقامة الحجة على رسالته فيكون استدعاء للتقليد لأن الدعوة المذكورة هي الدعوة الأولى التي لا تستدعي إظهار المعجزة وإقامة الحجة، وعادة الأنبياء عليهم السلام الدعوة إلى الإيمان أولاً فإذا عورضوا أقاموا الدليل وأظهروا المعجزة؛ وفيما نحن فيه لم يصدر معارضة، وقيل: إن الدعوة ما كانت إلا مقرونة بإقامة الحجة لأن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة التي ذكرت فيما مر أولاً معجزة باهرة دالة على رسالته عليه السلام دلالة بينة. وتعقب بأن كون الإلقاء المذكور معجزة غير واضح خصوصاً وهي لم تقارن التحدي، ورجح / الثاني بأن قولها:إِنَّ ٱلْمُلُوكَ } [النمل: 34] الخ صريح في دعوة الملك والسلطنة. وأجيب بأن ذاك لعدم تيقنها رسالته عليه السلام حينئذٍ أو هو من باب الاحتيال لجلب القوم إلى الإجابة بإدخال الروع عليهم من حيثية كونه عليه السلام ملكاً وهذا كما ترى.

والظاهر أنه لم يكن في الكتاب أكثر مما قص الله تعالى وهو إحدى الروايتين عن مجاهد، وثانيتهما: أن فيه - السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين -، وفي بعض الآثار أن نسخة الكتاب - من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ السلام على من اتبع الهدى - إلى آخر ما ذكر، ولعلها على ما هو الظاهر عرفت أنهم المعنيون بالخطاب من قرائن الأحوال، وقد تضمن ما قصه سبحانه البسملة التي هي هي في الدلالة على صفاته تعالى صريحاً والتزاماً والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل فيا له كتاب في غاية الإيجاز ونهاية الإعجاز، وعن قتادة كذلك كانت الأنبياء عليهم السلام تكتب جملاً لا يطيلون ولا يكثرون.

السابقالتالي
2