الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }

وقوله تعالى { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } أي لئلا يسجدوا واللام للتعليل وهو متعلق بصدهم أو بزين. والفاء في { فَصَدَّهُمْ } لا يلزم أن تكون سببية لجواز كونها تفريعية أو تفصيلية أي فصدهم عن ذلك لأجل أن لا يسجدوا لله عز وجل أو زين لهم ذلك لأجل أن لا يسجدوا له تعالى، وجوز أن تكون أن وما بعدها في تأويل مصدر وقع بدلاً من { أعمالهم } وما بينهما اعتراض كأنه قيل وزين لهم الشيطان عدم السجود لله تعالى، وتعقب بأنه ظاهر في عد عدم السجود من الأعمال وهو بعيد، وجوز أن يكون ذلك بدلاً من { السبيل } و { لا } زائدة مثلها في قوله تعالى:لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [الحديد: 29] كأنه قيل فصدهم عن السجود لله تعالى، وجوز أن يكون بتقدير إلى و { لا } زائدة أيضاً والجار والمجرور متعلق بيهتدون كأنه قيل فهم لا يهتدون إلى السجود له عز وجل، وأنت تعلم أن زيادة ـ لا ـ وإن وقعت في الفصيح خلاف الظاهر، وجوز أن لا يكون هناك تقدير والمصدر خبر مبتدأ محذوف أي دأبهم عدم السجود، وقيل: التقدير هي أي أعمالهم عدم السجود وفيه ما مر آنفاً.

وقرأ ابن عباس وأبو جعفر والزهري والسلمي والحسن وحميد والكسائي { أَلا } بالتخفيف على أنها للاستفتاح ويا حرف نداء والمنادى محذوف أي ألا يا قوم اسجدوا كما في قوله:
ألا يا اسلمى ذات الدمالج والعقد   
ونظائره الكثيرة. وسقطت ألف يا وألف الوصل في اسجدوا وكتبت الياء متصلة بالسين على خلاف القياس. ووقف الكسائي في هذه القراءة على ياء وابتدأ باسجدوا وهو وقف اختيار، وفي «البحر» الذي أذهب إليه أن مثل هذا التركيب الوارد عن العرب ليست يا فيه للنداء والمنادى محذوف لأن المنادى عندي لا يجوز حذفه لأنه قد حذف الفعل العامل في النداء وانحذف فاعله لحذفه فلو حذفنا المنادى لكان في ذلك حذف جملة النداء وحذف متعلقه وهو المنادي وإذا لم نحذفه كان دليلاً على العامل فيه وهو جملة النداء وليس حرف النداء حرف جواب كنعم وبلى ولا وأجل فيجوز حذف الجملة بعده كما يجوز حذفها بعدهن لدلالة ما سبق من السؤال على الجملة المحذوفة. فيا عندي في تلك التراكيب حرف تنبيه أكد به { أَلا } التي للتنبيه وجاز ذلك لاختلاف الحرفين ولقصد المبالغة في التوكيد. وإذا كان قد وجد التأكيد في اجتماع الحرفين المختلفي اللفظ العاملين في قوله:
فأصبحن لا يسألنني عن بما به   
والمتفقي اللفظ العاملين أيضاً في قوله:
فلا والله لا يلفي لما بـي   ولا للما بهم أبداً دواء
وجاز ذلك وإن عدوه ضرورة أو قليلاً فاجتماع غير العاملين وهما مختلفا اللفظ يكون جائزاً.

السابقالتالي
2 3