الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

{ لأُعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } قيل بنتف ريشه وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج. والظاهر أن المراد جميع ريشه، وقال يزيد بن رومان بنتف ريش جناحيه، وقال ابن وهب بنتف نصف ريشه. وزاد بعضهم مع النتف إلقاءه للنمل وآخر تركه في الشمس، وقيل: ذلك بطليه بالقطران وتشميسه وقيل بحبسه في القفص، وقيل بجمعه مع غير جنسه، وقيل بإبعاده من خدمة سليمان عليه السلام، وقيل بالتفريق بينه وبين إلفه، وقيل بإلزامه خدمة أقرانه. وفي «البحر» الأجود أن يجعل كل من الأقوال من باب التمثيل وهذا التعذيب للتأديب ويجوز أن يبيح الله تعالى له ذلك لما رأى فيه من المصلحة والمنفعة كما أباح سبحانه / ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع وإذا سخر له الطير ولم يتم ما سخر من أجله إلا بالتأديب والسياسة جاز أن يباح له ما يستصلح به. وفي «الاكليل» للجلال السيوطي قد يستدل بالآية على جواز تأديب الحيوانات والبهائم بالضرب عند تقصيرها في المشي أو إسراعها أو نحو ذلك. وعلى جواز نتف ريش الحيوان لمصلحة بناء على أن المراد بالتعذيب المذكور نتف ريشه. وذكر فيه أن ابن العربـي استدل بها على أن العذاب على قدر الذنب لا على قدر الجسد، وعلى أن الطير كانوا مكلفين إذ لا يعاقب على ترك فعل إلا من كلف به اهـ فلا تغفل.

{ أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ } كالترقي من الشديد إلى الأشد فإن في الذبح تجريع كأس المنية. وقد قيل:
كل شيء دون المنية سهل   
{ أوْ لَيأْتيَنِّي بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } أي بحجة تبين عذرة في غيبته. وما ألطف التعبير بالسلطان دون الحجة هنا لما أن ما أتى به من العذر انجر إلى الإتيان ببلقيس وهي سلطان، ثم إن هذا الشق وإن قرن بحرف القسم ليس مقسماً عليه في الحقيقة وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان وأدخل هذا في سلكهما للتقابل. وهذا كما في «الكشف» نوع من التغليب لطيف المسلك، ومآل كلامه عليه السلام ليكونن أحد الأمور على معنى إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولاذبح وإن لم يكن كان أحدهما فأو في الموضعين للترديد. وقيل: هي في الأول للتخيير بين التعذيب والذبح، وفي الثاني للترديد بينهما وبين الإتيان بالسلطان وهو كما ترى.

وزعم بعضهم أنها في الأول للتخيير وفي الثاني بمعنى إلا وفيه غفلة عن لام القسم، وجوز أن تكون الأمور الثلاثة مقسماً عليها حقيقة، وصح قسمه عليه السلام على الإتيان المذكور لعلمه بالوحي أنه سيكون أو غلبة ظنه بذلك لأمر قام عنده يفيدها وإلا فالقسم على فعل الغير في المستقبل من دون علم أو غلبة ظن به لا يكاد يسوغ في شريعة من الشرائع.

السابقالتالي
2 3