الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ فَتَبَسَّمَ ضَـٰحِكاً مّن قَوْلِهَا } تفريع على ما تقدم فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعل الفاء فصيحة كما قيل. ولعله عليه السلام إنما تبسم من ذلك سروراً بما ألهمت من حسن حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة وابتهاجاً بما خصه الله تعالى به من إدراك ما هو همس بالنسبة إلى البشر وفهم مرادها منه. وجوز أن يكون ذلك تعجباً من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها، والأول أظهر مناسبة لما بعد من الدعاء. وانتصب { ضَـٰحِكاً } على الحال أي شارعاً في الضحك أعني قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك أو مقدر الضحك بناء على أنه حال مقدرة كما نقله الطيبـي عن بعضهم. وقال أبو البقاء هو حال مؤكدة وهو يقتضي كون التبسم والضحك بمعنى والمعروف الفرق بينهما قال ابن حجر: التبسم مبادىء الضحك من غير صوت والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور مع صوت خفي فإن كان فيه صوت يسمع / من بعيد فهو القهقهة، وكأن من ذهب إلى اتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السلام فإن ضحكهم تبسم، وقد قال البوصيري في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم:
سيد ضحكه التبسم والمـ   ـشي الهوينا ونومه الإغفاء
وروى البخاري " عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً أي مقبلاً على الضحك بكليته إنما كان يتبسم " ، والذي يدل عليه مجموع الأحاديث أن تبسمه عليه الصلاة والسلام أكثر من ضحكه وربما ضحك حتى بدت نواجذه. وكونه ضحك كذلك مذكور في حديث «آخر أهل النار خروجاً منها وأهل الجنة دخولاً الجنة». وقد أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وكذا في حديث أخرجه البخاري في المواقع أهله في رمضان، وليس في حديث عائشة السابق أكثر من نفيها رؤيتها إياه صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً وهو لا ينافي وقوع الضحك منه في بعض الأوقات حيث لم تره.

وأول الزمخشري ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه بأن الغرض منه المبالغة في وصف ما وجد منه عليه الصلاة والسلام من الضحك النبوي وليس هناك ظهور النواجذ وهي أواخر الأضراس حقيقة، ولعله إنما لم يقل سبحانه: فتبسم من قولها بل جاء جل وعلا بضاحكاً نصباً على الحال ليكون المقصود بالإفادة التجاوز إلى الضحك بناء على أن المقصود من الكلام الذي فيه قيد إفادة القيد نفياً أو إثباتاً، وفيه إشعار بقوة تأثير قولها فيه عليه السلام حيث أداه ما عراه منه إلى أن تجاوز حد التبسم آخذاً في الضحك ولم يكن حاله التبسم فقط.

السابقالتالي
2 3