الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ }

{ وَأَلْقِ عَصَاكَ } عطف علىبُورِكَ } [النمل: 8] منتظم معه في سلك تفسير النداء أي نودي أن بورك وأن ألق عصاك، ويدل عليه قوله تعالى: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } بعد قوله سبحانه:أَن يٰمُوسَىٰ إِنّى أَنَا ٱللَّهُ } [القصص: 30، 31] بتكرير أن فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً وهذا ما اختاره الزمخشري. وأورد عليه أن تجديد النداء في قوله تعالى: { يٰمُوسَىٰ } الخ يأباه. ورد بأنه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور، وقيل: لا يأباه لأنه جملة معترضة وفيه بحث، واعترض أيضاً بأن { بُورِكَ } إخبار { وَأَلْقِ } إنشاء ولا يعطف الإنشاء على الإخبار، ومن هنا قيل؛ إن العطف على ذلك بتقدير وقيل له: الق أو العطف على مقدر أي افعل ما آمرك وألق، وفيه أنه في مثل هذا يجوز عطف الإنشاء على الإخبار لكون النداء في معنى القول بل أجاز سيبويه جاء زيد ومن عمر بالعطف. ولا يرد هذا أصلاً على من يجعل { بُورِكَ } إنشاء، ويرد على من جعل العطف على افعل محذوفاً أن الظاهر حينئذ فألق بالفاء، واختار أبو حيان كون العطف على جملةإِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [النمل: 9] ولم يبال باختلاف / الجملتين اسمية وفعلية وإخبارية وإنشائية لما ذكر أن الصحيح عدم اشتراط تناسب الجملتين المتعاطفتين في ذلك لما سمعت آنفاً عن سيبويه.

والفاء في قوله تعالى: { فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ } فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كأنه قيل: فألقاها فانقلبت حية فلما أبصرها تتحرك بشدة اضطراب، وجملة { تَهْتَزُّ } في موضع الحال من مفعول رأى فإنها بصرية كما أشرنا إليه لا علمية كما قيل. وقوله تعالى: { كَأَنَّهَا جَانٌّ } في موضع حال أخرى منه أو هو حال من ضمير { تَهْتَزُّ } على طريقة التداخل، والجان الحية الصغيرة السريعة الحركة شبهها سبحانه في شدة حركتها واضطرابها مع عظم جثتها بصغار الحيات السريعة الحركة فلا ينافي هذا قوله تعالى في موضع آخر:فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 107]. وقيل: يجوز أن يكون الإخبار عنها بصفات مختلفة باعتبار تنقلها فيها، وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد: { جأن } بهمزة مفتوحة هرباً من التقاء الساكنين وإن كان على حده كما قيل: دأبة وشأبة. { وَلَّىٰ مُدْبِراً } أي انهزم { وَلَمْ يُعَقّبْ } أي ولم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار قال الشاعر:
فما عقبوا إذ قيل هل من معقب   ولا نزلوا يوم الكريهة منزلاً
وهذا مروي عن مجاهد، وقريب منه قول قتادة: أي لم يلتفت وهو الذي ذكره الراغب، وكان ذلك منه عليه السلام لخوف لحقه، قيل: لمقتضى البشرية فإن الإنسان إذا رأى أمراً هائلاً جداً يخاف طبعاً أو لما أنه ظن أن ذلك لأمر أريد وقوعه به، ويدل على ذلك قوله سبحانه: { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ } أي من غيري أي مخلوق كان حية أو غيرها ثقة بـي واعتماداً عليَّ أو لا تخف مطلقاً على تنزيل الفعل منزلة اللازم، وهذا إما لمجرد الإيناس دون إرادة حقيقة النهي وإما للنهي عن منشأ الخوف وهو الظن الذي سمعته.

السابقالتالي
2 3 4