الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }

{ طسۤ } قرىء بالإمالة وعدمها، والكلام فيه كالكلام في نظائره من الفواتح. { تِلْكَ } إشارة إلى السورة المذكورة، وأداة البعد للإشارة إلى بعد المنزلة في الفضل والشرف أو إلى / الآيات التي تتلى بعد نظير الإشارة في قوله تعالى:الۤمۤ ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 1-2] أو إلى مطلق الآيات، ومحله الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى: { ءايَـٰتُ ٱلْقُرْءانِ } والجملة مستأنفة أو خبر لقوله تعالى: { طسۤ } وإضافة { ءايَـٰتُ } إلى { ٱلْقُرْءانَ } لتعظيم شأنها فإن المراد به المنزل المبارك المصدق لما بين يديه الموصوف بالكمالات التي لا نهاية لها، ويطلق على كل المنزل عليه صلى الله عليه وسلم للإعجاز وعلى بعض منه، وجوز هنا إرادة كل من المعنيين وإذا أريد الثاني فالمراد بالبعض جميع المنزل عند نزول السورة.

وقوله تعالى: { وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ } عطف على { ٱلْقُرْءانَ } والمراد به القرآن وعطفه عليه مع اتحاده معه في الصدق كعطف إحدى الصفتين على الأخرى كما في قولهم: هذا فعل السخي والجواد الكريم، وتنوينه للتفخيم، و { ٱلْمُبِينُ } إما من أبان المتعدي أي مظهر ما في تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال القرون الأولى وأحوال الآخرة التي من جملتها الثواب والعقاب أو سبيل الرشد والغي أو نحو ذلك، والمشهور في أمثال هذا الحذف أنه يفيد العموم، وإما من أبان اللازم بمعنى بان أي ظاهر الإعجاز أو ظاهر الصحة للإعجاز، وهو على الاحتمالين صفة مادحة لكتاب مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة.

ولما كان في التنكير نوع من الفخامة وفي التعريف نوع آخر وكان الغرض الجمع للاستيعاب الكامل عرف القرآن ونكر الكتاب وعكس في الحجر [1]، وقدم المعرف في الموضعين لزيادة التنويه، ولما عقبه سبحانه بالحديث عن الخصوص هٰهنا قدم كونه قرآناً لأنه أدل على خصوص المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز كذا في «الكشف». وقال بعض الأجلة: قدم الوصف الأول هٰهنا نظراً إلى حال تقدم القرآنية على حال الكتابية، وعكس هنالك لأن المراد تفخيمه من حيث اشتماله على كمال جنس الكتب الإلهية حتى كأنه كلها ومن حيث كونه ممتازاً عن غيره نسيج وحده بديعاً في بابه والإشارة إلى امتيازه عن سائر الكتب بعد التنبيه على انطوائه على كمالات غيره من الكتب أدخل في المدح لئلا يتوهم من أول الأمر أن امتيازه عن غيره لاستقلاله بأوصاف خاصة به من غير اشتماله على نعوت كمال سائر الكتب الكريمة، وفي هذا حمل أل على الجنس في الكتاب. والظاهر أنها في { ٱلْقُرْءانَ } للعهد فيختلف معناها في الموضعين وإليه يشير ظاهر كلام «الكشاف» كما قيل، واعتذر له بأنه إذا رجع المعنيان إلى التفخيم فلا بأس بمثل هذا الاختلاف، وجوز أن تكون في الموضعين للعهد وأن تكون فيهما للجنس فتأمل، وقيل: إن اختصاص كل من الموضعين بما اختص به من تعيين الطريق.

السابقالتالي
2