الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

وقوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } استثناء من أعم المفاعيل، و { مَنْ } محل نصب أي يوم لا ينفع مال وإن كان مصروفاً في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة أحداً إلا من أتى الله بقلب سليم عن مرض الكفر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالإيمان، وفي هذا تأييد لكون استغفاره عليه السلام لأبيه طلباً لهدايته إلى الإيمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافراً مع علمه عليه السلام بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة، وقيل: هو استثناء من فاعل { ينفَعُ } و(من) في محل رفع بدل منه والكلام على تقدير مضاف إلى (من) أي لا ينفع مال ولا بنون إلا مال وبنو من أتى الله بقلب سليم حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عباداً لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة، وقيل: هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام أعني مطلق الغنى والكلام بتقدير مضاف أيضاً كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم وغناه سلامة قلبه وهو من الغنى الديني وقد أشير إليه في بعض الأخبار. أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه " عن ثوبان قال: لما نزلت { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } [التوبة: 34] الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو علمنا أي المال خير اتخذناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه "

وقيل: هو استثناء منقطع منمَالٌ } [الشعراء: 88] والكلام أيضاً على تقدير مضاف / أي لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى الله بقلب سليم، والمراد بحاله سلامة قلبه، قال الزمخشري: ولا بد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى، ومنع ذلك أبو حيان بأنه لو قدر مثلاً لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى. وأجاب عنه في «الكشف» بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدون تقدير المضاف، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن هذا مناسباً للمقام جعله الزمخشري مفروغاً عنه فلم يلم عليه بوجه، وقد جوز اتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع   
ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون فتقول ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلاً عن ذلك.

السابقالتالي
2