الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ }

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } هو القلزم على الصحيح، وقيل: بحر من وراء مصر يقال له اساف، وقيل: النيل، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد القول المذكور ولم يكن مأموراً بالضرب يوم الأمر بالإسراء، فقد أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد أنه لما انتهى موسى عليه السلام وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون: يا نبـي الله أين أمرت فإن البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال: أمرت بالبحر فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار فجعل موسى عليه السلام لا يدري كيف يصنع وكان الله تعالى قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصاه فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر.

وأخرج أيضاً من طريق الكلبـي عن أبـي صالح عن ابن عباس أن موسى لما انتهى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء واقتحم غيره خيولهم فرسوا في الماء، وقال أصحاب موسى:إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه؛ وقيل له: اضرب بعصاك البحر؛ وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع / إذا ضربك فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدرى من أي جوانبه يضربه، وأخرج ابن أبـي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجاً فأوحى الله تعالى إليه أن أضرب بعصاك البحر. " وروي أنه عليه السلام قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ، وفي «الدر المنثور» من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً ما يدل على أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق.

{ فَٱنفَلَقَ } أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب، وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغى العصافير وكأنه كان سكران حين قاله، وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام، وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه إعظاماً لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز وجل لفلقه بدون ضربه بالعصا، ويروى أنه لم ينفلق حتى كناه بأبـي خالد فقال انفلق أبا خالد: وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك، وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له: انفلق أبا خالد فقال: لن أنفلق لك يا موسى أنا أقدم منك وأشد خلقاً فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي رواية ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى إليه قال: انفرق فقال له: لقد استكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي حديث أخرجه الخطيب في «المتفق والمفترق» عن أبـي الدرداء مرفوعاً أنه عليه السلام ضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثاً، وقيل: ضربه مرة واحدة فانفلق، وقيل: ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط.

السابقالتالي
2 3 4 5