الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله عز وجل ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله سبحانه وتعالى والحث على الطاعة والحكمة والموعظة والزهد في الدنيا والترهيب عن الركون إليها والاغترار بزخارفها والافتتان بملاذها الفانية والترغيب فيما عند الله تعالى ونشر محاسن رسوله صلى الله عليه وسلم ومدحه وذكر معجزاته ليتغلغل حبه في سويداء قلوب السامعين وتزداد رغباتهم في اتباعه ونشر مدائح آله وأصحابه وصلحاء أمته لنحو ذلك ولو وقع منهم في بعض الأوقات هجو وقع بطريق الانتصار ممن هجاهم من غير اعتداء ولا زيادة كما يشير إليه قراءة بعضهم { وانتصروا بمثل ما ظلموا }.

وقيل: المراد بالمستثنين شعراء المؤمنين الذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكافحون هجاة المشركين، واستدل لذلك بما أخرج عبد بن حميد وابن أبـي حاتم عن قتادة إن هذه الآية نزلت في رهط من الأنصار هاجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وعن السدي نحوه، وبما أخرج جماعة عن أبـي حسن سالم البراد أنه قال: لما نزلتوَٱلشُّعَرَاء } [الشعراء: 224] الآية جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وهم يبكون فقالوا: يا رسول الله لقد أنزل الله تعالى هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء هلكنا فأنزل الله تعالى { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخ فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليهم. وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ قوله تعالى: { إلا الذين آمنوا } إلى آخر الصفات فقال: هم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة ولعله من باب الاقتصار على بعض ما يدل عليه اللفظ فقد جاء عنه في بعض الروايات ما يشعر بالعموم.

هذا واستدل بالآية على ذم الشعر والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم انتصاراً كذا قيل، واعلم أن الشعر باب من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وفي الحديث: " إن من الشعر لحكمة " وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر وأجاز عليه " وقال عليه الصلاة والسلام لحسان رضي الله تعالى عنه: اهجهم يعني المشركين فإن روح القدس سيعينك " وفي رواية: " اهجهم وجبريل معك " / وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة أن جبريل عليه السلام أعان حساناً على مدحته النبـي صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً، وأخرج أحمد والبخاري في «التاريخ» وأبو يعلى وابن مردويه

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9