الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

{ وَتِلْكَ } أي التربية المفهومة من قوله:أَلَمْ نُرَبّكَ } [الشعراء: 18] الخ { نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا } أي تنعم بها { عَلَىَّ } فهو من باب الحذف والإيصال، وتمن من المنة بمعنى الإنعام والمضارع لاستحضار الصورة، وجوز أن يكون من المن والمعنى تلك نعمة تعدها علي فليس / هناك حذف وإيصال، والمضارع قيل على ظاهره من الاستقبال وفيه منع ظاهر { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي ذللتهم واتخذتهم عبيداً يقال: عبدت الرجل وأعبدته إذا اتخذته عبداً. قال الشاعر:
علام يُعبِدُني قومي وقد كثرت   فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان
و(أن) وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة حالية أو مفسرة أو على أنه بدل من { تِلْكَ } أو (نعمة) أو عطف أو منصوب على أنه بدل من الهاء في { تَمُنُّهَا } أو مجرور بتقدير الباء السببية أو اللام على أحد القولين في محل (أن) وما بعدها بعد حذف الجار، والقول الآخر أن محله النصب، وحاصل الرد إن ما ذكرت نعمة ظاهراً وهي في الحقيقة نقمة حيث كانت بسبب إذلال قومي وقصدك إياهم بذبح أبنائهم ولولا ذلك لم أحصل بين يديك ولم أكن في مهد تربيتك، وقيل: { تِلْكَ } إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها و { أَنْ عَبَّدتَّ } عطف بيان لها، والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي، وحاصل الرد إنكار ما امتن به أيضاً. ويريد حمل الكلام على رد كون ذلك نعمة في الحقيقة قراءة الضحاك «وتلك نعمة مالك أن تمنها علي»، وإلى ذلك ذهب قتادة وكذا الأخفش والفراء إلا أنهما قالا بتقدير همزة الاستفهام للإنكار بعد الواو، والأصل وأتلك نعمة الخ، وأبـى بعض النحاة حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع. وقال أبو حيان: ((الظاهر أن هذا الكلام إقرار منه عليه السلام بنعمة فرعون كأنه يقول: وتربيتك إياي نعمة عليَّ من حيث أنك عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولداً لكن لا يدفع ذلك رسالتي وإلى هذا التأويل ذهب السدي والطبري)) وليس بذاك. وأياً ما كان فالآية ظاهرة في أن كفر الكافر لا يبطل نعمته. وذهب بعضهم أن الكفر يبطل النعمة لئلا يجتمع استحقاق المدح واستحقاق الذم، وفيه أنه لا ضير في ذلك لاختلاف جهتي الاستحقاقين.

هذا وذهب الزمخشري إلى أن { إِذَا } في قوله تعالىفَعَلْتُهَا إِذاً } [الشعراء: 20] جواب وجزاء وبين وجه كون الكلام جزاء بقوله: قولوَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ } [الشعراء: 19] فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى عليه السلام: نعم فعلتها مجازياً لك تسليماً لقوله كأن نعمته عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء. واعترض بأن هذا لا يلائم قوله:

السابقالتالي
2