الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أمر له صلى الله عليه وسلم بالتواضع على سبيل الاستعارة التبعية أو التمثيلية أو المجاز المرسل وعلاقته اللزوم، ويستعمل في التكبر رفع الجناح وعلى ذلك جاء قول الشاعر:
وأنت الشهير بخفض الجناح   فلا تك في رفعه أجدلاً
و { مِنْ } قيل: بيانية لأن من اتبع في أصل معناه أعم ممن اتبع لدين أو غيره ففيه إبهام وبذكر المؤمنين المراد بهم المتبعون للدين زال ذلك، وقيل: للتبعيض بناءً على شيوع من اتبع فيمن اتبع للدين وحمل المؤمنين على من صدق باللسان ولو نفاقاً ولا شك أن المتبعين للدين بعض المؤمنين بهذا المعنى، وجوز أن يحمل على من شارف وإن لم يؤمن. ولا شك أيضاً أن المتبعين المذكورين بعضهم وفي الآية على القولين أمر بالتواضع لمن اتبع للدين. وقال بعضهم: على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان - من اتبعك - شائعاً في من آمن حقيقة ومن آمن مجازاً فبين بقوله تعالى: { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أن المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفاً، وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا وهم صنفان: صنف صدق واتبع وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل: من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة. وعلى هذا يكون الذين أمر صلى الله عليه وسلم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة والسلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض. وقال بعض الأجلة الاتباع والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباعه عليه الصلاة والسلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الإيمان الإيمان الحقيقي، وذكر { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لإفادة التعميم كذكريَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] بعد طائر في قوله تعالى: { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من آمن من عشيرته صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

وقال الطيبـي: الإجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وأن الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل إلى المؤمنين ليعم ويؤذن أن صفة الإيمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون (من) بيانية وأن عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلتوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] بدأ صلى الله عليه وسلم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى: { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.