الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }

{ وَأَنذِرِ } العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي { عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } أي ذوي القرابة القريبة أو الذين هم أكثر قرباً إليك من غيرهم. والعشيرة على ما قال الجوهري: رهط الرجل الأدنون. وقال الراغب هم أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل وهو العشرة. واشتهر أن طبقات الأنساب ست، الأولى: الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان، الثانية: القبيلة وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومضر. الثالثة: العمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة. الرابعة: البطن وهو ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم. الخامسة: الفخذ وهو ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية. السادسة: الفصيلة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخذ كبني العباس وبني عبد المطلب وليس دون الفصيلة إلا الرجل وولده.

وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبـي عن أبيه تقديم الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم الفخذ فأقام الفصيلة مقام العمارة في ذكرها بعد القبيلة والعمارة مقام الفصيلة في ذكرها قبل الفخذ ولم يحك ما يخالفه ولم يذكر في الترتيبين العشيرة، وفي «البحر» أنها تحت الفخذ فوق الفصيلة، والظاهر أن ذلك على الترتيب الأول. وحكى بعضهم - بعد أن نقل الترتيب المذكور - عن النووي عليه الرحمة أنه قال في «تحرير التنبيه»: وزاد بعضهم العشيرة قبل الفصيلة. ويفهم من كلام البعض أن العشيرة إذا وصفت بالأقرب اتحدت مع الفصيلة التي هي سادسة الطبقات، وأنت تعلم أن الأقربية إذا كانت مأخوذة في مفهومها كما يفهم من كلام الجوهري تستغني دعوى الاتحاد عن الوصف المذكور.

وفي «كليات أبـي البقاء» كل جماعة كثيرة من الناس يرجعون إلى أب مشهور بأمر زائد فهو شعب كعدنان ودونه القبيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الشعب كربيعة ومضر، ثم العمارة وهي ما انقسمت فيها أنساب القبيلة كقريش وكنانة، ثم البطن وهي ما انقسمت فيها أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم، ثم الفخذ وهي ما انقسمت فيها أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية، ثم العشيرة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ كبني العباس وبني أبـي طالب والحي يصدق على الكل لأنه للجماعة المتنازلين بمربع منهم انتهى. ولم يذكر فيه الفصيلة وكأنه يذهب إلى اتحادها بالعشيرة.

ووجه تخصيص عشيرته صلى الله عليه وسلم الأقربين بالذكر مع عموم رسالته / عليه الصلاة والسلام دفع توهم المحاباة وأن الاهتمام بشأنهم أهم وأن البداءة تكون بمن يلي ثم من بعده كما قال سبحانه:قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ ٱلْكُفَّارِ } [التوبة: 123] وفي كيفية الإنذار أخبار كثيرة، منها ما أخرجه البخاري " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } صعد النبـي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [المسد: 1، 2]» "

السابقالتالي
2