الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }

{ أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } تنزل عما تقدم كأنهم قالوا: إن لم توجد المخالفة بيننا وبينه في الأكل والتعيش فهلا يكون معه من يخالف فيهما يكون ردءاً له في الإنذار فإن لم توجد فهلا يخالفنا في أحدهما وهو طلب المعاش بأن يلقى إليه من السماء كنز يستظهر به ويرتفع احتياجه إلى التعيش بالكلية فإن لم يوجد فلا أقل من رفع الاحتياج في الجملة بإتيان بستان يتعيش بريعه كما للدهاقين والمياسير من الناس. والزمخشري ذكر أنهم عنوا بقولهممَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلأَسْوَاقِ } [الفرقان: 7] أنه كان يجب أن يكون ملكاً ثم نزلوا عن ملكيته إلى صحبة ملك له يعينه ثم نزلوا عن ذلك إلى كونه مرفوداً بكنز ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق. قيل الجملة الأخيرة فقط تنزل منهم وما قبل استئناف جواباً عما يقال كيف يخالف حاله صلى الله عليه وسلم حالكم وبأي شيء يحصل ذلك ويتميز عنكم؟ ولا يخفى ما فيه.

ونصب { يَكُونَ } على جواب التحضيض، وقرىء { فَيَكُونُ } بالرفع حكاه أبو معاذ، وخرج على أن يكون معطوف علىأَنَزلَ } [الفرقان: 7] لأنه لو وقع موقعه المضارع لكان مرفوعاً لأنك تقول ابتداء لولا ينزل بالرفع وقد عطف عليه { يُلْقِى } و { تَكُونُ } وهما مرفوعان أو هو جواب التحضيض على إضمار هو أي فهو يكون، ولا يجوز في مثل هذا التركيب نصب { يُلْقِى } وتكون بالعطف على يكون المنصوب لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب.

ولعل التعبير أولاً بالماضي مع أن الأصل في لولا التي للتحضيض أو العرض دخولها على المضارع لأن إنزال الملك مع قطع النظر عن أن يكون معه عليه الصلاة والسلام نذيراً أمر متحقق لم يزل مدعياً له صلى الله عليه وسلم فما أخرجوا الكلام حسبما يدعيه عليه الصلاة والسلام وإن لم يكن مسلماً عندهم، وفيه نوع تهكم منهم قاتلهم الله تعالى بخلاف الإلقاء وحصول الجنة، ولعل في التعبير بالمضارع فيهما وإن كان هو الأصل إشارة إلى الاستمرار التجددي كأنهم طلبوا شيئاً لا ينفد. وذكر ابن هشام في «المغني» عن الهروي أنه قال بمجىء لولا للاستفهام ومثل له بمثالين أحدهما قوله تعالى: { لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } ، وتعقب ذلك بأنه معنى لم يذكره أكثر النحويين، والظاهر أنها في المثال المذكور مثلها في قوله تعالى:لَوْلاَ جَاءوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } [النور: 13]، وذكر أنها في ذلك للتوبيخ والتنديم وهي حينئذ تختص بالماضي، ولا يخفى أنه إن عنى بقوله تعالى:لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } [الفرقان: 7] ما وقع هنا فأمر كونها فيه للتوبيخ والتنديم في غاية الخفاء فتدبر.

السابقالتالي
2