الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

{ قُلْ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبين للناس أن الفائزين بتلك النعماء الجليلة التي يتنافس فيها المتنافسون إنما نالوها بما عدد من محاسنهم ولولاها لم يعتد بهم أصلاً أي قل للناس مشافهاً لهم بما صدر عن جنسهم من خير وشر { مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى } أي أي عبء يعبأ بكم وأي اعتداد يعتد بكم { لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } أي عبادتكم له عز وجل حسبما مر تفصيله، فإن ما خلق له الإنسان معرفة الله تعالى وطاعته جل وعلا وإلا فهو والبهائم سواء فما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر، وأصل العبء الثقل وحقيقة قولهم: ما عبأت به ما اعتددت له من فوادح همي ومما يكون عبأ عليَّ كما تقول: ما اكترثت له أي ما أعتددت له من كوارثي ومما يهمني. وقال الزجاج: معناه أي وزن يكون لكم عنده تعالى لولا عبادتكم، ويجوز أن تكون (ما) نافية أي ليس يعبأ، وأياً ما كان فجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لولا دعاؤكم لما اعتد بكم، وهذا بيان لحال المؤمنين من المخاطبين.

وقوله سبحانه: { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } بيان لحال الكفرة منهم، والمعنى إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم حكمي ولم تعملوا عمل أولئك المذكورين، فالفاء مثلها في قوله: فقد جئنا خراسانا والتكذيب مستعار للمخالفة، وقيل: المراد فقد قصرتم في العبادة على أنه من قولهم: كذب القتال إذا لم يبالغ فيه، والأول أولى وإن قيل: إن المراد من التقصير في العبادة تركها. وقرأ عبد الله وابن عباس وابن الزبير { فَقَدْ كَذَّبَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } وهو على معنى كذب الكافرون منكم لعموم الخطاب للفريقين على ما أشرنا إليه وهو الذي اختاره الزمخشري واستحسنه صاحب «الكشف»، واختار غير واحد أنه خطاب لكفرة قريش، والمعنى عليه عند بعض ما يعبأ بكم لولا عبادتكم له سبحانه أي لولا إرادته تعالى التشريعية لعبادتكم له تعالى لما عبأ بكم ولا خلقكم، وفيه معنى من قوله تعالى:مَا خَلَقْتَ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] وقيل: المعنى ما يعبأ بكم لولا دعاؤه سبحانه إياكم إلى التوحيد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أي لولا إرادة ذلك. وقيل: المعنى ما يبالي سبحانه بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه آلهة أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم كما / قال تعالى:مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } [النساء: 147]، وقيل: المعنى ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه تعالى وتضرعكم إليه في الشدائد كما قال تعالى:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ } [العنكبوت: 65] وقال سبحانه:فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5