الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المتصفين بما فصل في حيز الصلات من حيث اتصافهم به؛ وفيه دلالة على أنهم متميزون منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل، وهو مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: { يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } والجملة على الأقرب استئناف لا محل لها من الإعراب مبينة لما لهم في الآخرة من السعادة الأبدية إثر بيان ما لهم في الدنيا من الأعمال السنية، و { ٱلْغُرْفَةَ } الدرجة العالية من المنازل وكل بناء مرتفع عال، وقد فسرت هنا على ما روي عن ابن عباس ببيوت من زبرجد ودر وياقوت. وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن سهل بن سعد عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه: " قال فيها بيوت من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم " ، وقيل: أعلى منازل الجنة، ولا يأباه الخبر لجواز أن تكون الغرف الموصوفة فيه هناك، وروي عن الضحاك أنها الجنة، وقيل: السماء السابعة، وعلى تفسيرها بجمع، ويؤيده قوله تعالى:وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ ءامِنُونَ } [سبأ: 37] وقرىء فيه (في الغرفة) يكون المراد بها الجنس وهو يطلق على الجمع كما سمعت آنفاً، وإيثار الجمع هنالك على ما قال الطيبـي لأنها رتبت على الإيمان والعمل الصالح ولا خفاء في تفاوت الناس فيهما وعلى ذلك تتفاوت الأجزية، وهٰهنا رتب على مجموع الأوصاف الكاملة فلذا جىء بالواحد دلالة على أن الغرف لا تتفاوت.

{ بِمَا صَبَرُواْ } أي بسبب صبرهم على أن الباء للسببية و(ما) مصدرية، وقيل: هي للبدل كما في قوله:
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا   شنوا الإغارة فرساناً وركبانا
أي بدل صبرهم ولم يذكر متعلق الصبر ليعم ما سلف من عبادتهم فعلاً وتركاً وغيره من أنواع العبادة والكل مدمج فيه فإنه إما عن المعاصي وإما على الطاعات وإما على الله تبارك وتعالى وهو أعلى منهما ويعلم من ذلك وجه إيثار { صَبَرُواْ } على فعلوا { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً } أي تحييهم الملائكة عليهم السلام ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة عن الآفات أو يحيـي بعضهم بعضاً ويدعو له بذلك، والمراد من الدعاء به التكريم وإلقاء السرور والمؤانسة وإلا فهو متحقق لهم ويعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كل آفة فليس هناك دعاء أصلاً. وقرأ طلحة ومحمد اليماني وأهل الكوفة غير حفص { يُلْقُون } بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف.