الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }

{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ } أي لا يشركون به غيره سبحانه. { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي حرمها الله تعالى بمعنى حرم قتلها لأن التحريم إنما يتعلق بالأفعال دون الذوات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه مبالغة في التحريم { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } متعلق بلا يقتلون والاستثناء مفرغ من أعم الأسباب أي لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها كالزنا بعد الإحصان والكفر بعد الإيمان، وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يقتلونها نوعاً من القتل إلا قتلاً ملتبساً بالحق وأن يكون حالاً أي لا يقتلونها في حال من الأحوال إلا حال كونهم ملتبسين بالحق. وقيل: يجوز أن يكون متعلقاً بالقتل المحذوف والاستثناء أيضاً من أعم الأسباب أي لا يقتلون النفس التي حرم الله تعالى قتلها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق. ويكون الاستثناء مفرغاً في الإثبات لاستقامة المعنى بإرادة العموم أو لكون حرم نفياً معنى, ولا يخفى ما فيه من التكلف { وَلاَ يَزْنُونَ } ولا يطؤن فرجاً محرماً عليهم.

والمراد من نفي هذه القبائح العظيمة التعريض بما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم وإلا فلا حاجة إليه بعد وصفهم بالصفات السابقة من حسن المعاملة وإحياء الليل بالصلاة ومزيد خوفهم من الله تعالى لظهور استدعائها نفي ما ذكر عنهم. ومنه يعلم حل ما قيل الظاهر عكس هذا الترتيب وتقديم التخلية على التحلية فكأنه قيل: والذين طهرهم الله تعالى وبرأهم سبحانه مما أنتم عليه من الإشراك وقتل النفس المحرمة كالموؤدة والزنا. وقيل: إن التصريح بنفي الإشراك مع ظهور إيمانهم لهذا أو لإظهار كمال الاعتناء والإخلاص وتهويل أمر القتل والزنا بنظمهما في سلكه، وقد صح من رواية البخاري ومسلم والترمذي " عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله تعالى نداً وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديق ذلك { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ } الآية> " وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ناساً من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ } الآية ونزلتقُلْ يٰأَ عِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الزمر: 53] الآية.

وقد ذكر الإمام الرازي أن ذكر هذا بعد ما تقدم لأن الموصوف بتلك الصفات قد يرتكب هذه الأمور تدينا فبين سبحانه أن المكلف لا يصير بتلك الخلال وحدها من عباد الرحمن حتى ينضاف إلى ذلك كونه مجانباً لهذه الكبائر وهو كما ترى.

السابقالتالي
2