الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً }

{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } كلام مستأنف لبيان أوصاف خلص عباد الله تعالى وأحوالهم الدنيوية والأخروية بعد بيان حال النافرين عن عبادته سبحانه والسجود له عز وجل، وإضافتهم إلى الرحمن دون غيره من أسمائه تعالى وضمائره عز وجل لتخصيصهم برحمته أو لتفضيلهم على من عداهم لكونهم مرحومين منعماً عليهم كما يفهم من فحوى الإضافة إلى مشتق. وفي ذلك أيضاً تعريض بمن قالوا:وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [الفرقان: 60] والأكثرون أن عباداً هنا جمع عبد، وقال ابن بحر: جمع عابد كصاحب وصحاب وراجل ورجال ويوافقه قراءة اليماني { وعباد } بضم العين وتشديد الباء فإنه جمع عابد بالإجماع وهو على هذا من العبادة وهي أن يفعل ما يرضاه الرب وعلى الأول من العبودية وهي أن يرضي ما يفعله الرب، وقال الراغب: العبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل. وفرق بعضهم بينهما بأن العبادة فعل المأمورات وترك المنهيات رجاء الثواب والنجاة من العقاب بذلك والعبودية فعل المأمورات وترك المنهيات لا لما ذكر بل لمجرد إِحسان الله تعالى عليه. قيل: وفوق ذلك العبودة وهو فعل وترك ما ذكر لمجرد أمره سبحانه ونهيه عز وجل واستحقاقه سبحانه الذاتي لأن يعظم ويطاع، وإليه الإشارة بقوله تعالى:فَصَلّ لِرَبّكَ } [الكوثر: 2] وقرأ الحسن { وعبد } بضم العين والباء وهو كما قال الأخفش جمع عبد كسقف وسقف وأنشد:
أنسب العبد إلى آبائه   أسود الجلدة من قوم عبد
وهو على كل حال مبتدأ وفي خبره قولان: الأول أنه ما في آخر السورة الكريمة من الجملة المصدرة باسم الإشارة، والثاني وهو الأقرب أنه قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } والهون مصدر بمعنى اللين والرفق. ونصبه إما على أنه نعت لمصدر محذوف أي مشياً هوناً أو على أنه حال من ضمير { يَمْشُونَ } والمراد يمشون هينين في تؤدة وسكينة ووقار وحسن سمت لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً، وروي نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والفصيل بن عياض وغيرهم، وعن الإمام أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الهون مشي الرجل بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر. وأخرج الآمدي في «شرح ديوان الأعشى» بسنده عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى غلاماً يتبختر في مشيته فقال له: إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله تعالى وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله سبحانه: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } فاقصد في مشيتك. وقيل: المشي الهون مقابل السريع وهو مذموم. فقد أخرج أبو نعيم في «الحلية» عن أبـي هريرة وابن النجار عن ابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3