الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً }

{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أظهر، وضمير { ٱتَّخَذُواْ } للمشركين المفهوم من قوله تعالى:وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } [الفرقان: 2] أو من المقام، وقوله سبحانه:نَذِيراً } [الفرقان: 1]، وقال الكرماني: للكفار وهم مندرجون في قوله تعالى:لّلْعَـٰلَمِينَ } [الفرقان: 1] والمراد حكاية أباطيلهم في أمر التوحيد والنبوة وإظهار بطلانها بعد أن بين سبحانه حقيقة الحق في مطلع السورة الكريمة أي اتخذوا لأنفسهم متجاوزين الله تعالى الذي ذكر بعض شؤنه العظيمة آلهة لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء وهم مخلوقون لله تعالى أو هم يختلقهم عبدتهم بالنحت والتصوير، ورجح المعنى الأول بأن الكلام عليه أشمل ولا يختص بالأصنام بخلافه على الثاني ويكون التعبير بالمضارع عليه في { يُخْلَقُونَ } المبني للمفعول لمشاكلة { يُخْلَقُونَ } المبني للفاعل مع استحضار الحال الماضية، ورجح المعنى الثاني بأنه أنسب بالمقام لأن الذين أنذرهم نبينا صلى الله عليه وسلم / شفاها عبدة الأصنام وأن الأحكام الآتية أوفق بها، نعم فيه تفسير الخلق بالافتعال كما في قوله تعالى:وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } [العنكبوت: 17] لأنه الذي يصح نسبته لغيره عز وجل وكذا الخلق بمعنى التقدير كما في قوله زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ   ـض القوم يخلق ثم لا يفري
والمتبادر منه إيجاد الشيء مقدراً بمقدار كما هو المراد من سابقه، وتفسيره بذلك أيضاً كما فعل الزمخشري بعيد كذا قيل. وتعقب بأنه يجوز أن يراد منه هذا المتبادر والأصنام بذواتها وصورها وأشكالها مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق لأن أفعال العباد وما يترتب عليها وينشأ منها من الآثار مخلوقة له عز وجل عندهم كما حقق بل لو قيل بتعين هذه الإرادة على ذلك الوجه لم يبعد.

وقوله تعالى: { وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَِنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } لبيان حالهم بعد خلقهم ووجودهم، والمراد لا يقدرون على التصرف في ضر ما ليدفعوه عن أنفسهم ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم، ولما كان دفع الضر أهم أفيد أولاً عجزهم عنه، وقيل: { لأَِنفُسِهِمْ } ليدل على غاية عجزهم لأن من لا يقدر على ذلك في حق نفسه فلأن لا يقدر عليه في حق غيره من باب أولى. ومن خص الأحكام في الأصنام قال: إن هذا لبيان ما لم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان، وقد يقال: التصرف في الضر والنفع بالدفع والجلب على الإطلاق ليس على الحقيقة إلا لله عز وجل كما ينبىء عنه قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم:قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } [الأعراف: 188].

وقوله تعالى: { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَٰوةً وَلاَ نُشُوراً } أي لا يقدرون على التصرف في شيء منها بإماتة الأحياء وإحياء الموتى في الدنيا وبعثهم في الأخرى للتصريح بعجزهم عن كل واحد مما ذكر على التفصيل والتنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادراً على جميع ذلك. وتقديم الموت لمناسبة الضر المقدم.