الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً }

{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاء بِٱلْغَمَـٰمِ } العامل في { يَوْم } إما اذكر أو ينفرد الله تعالى بالملك الدال عليه قوله تعالى:ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 26] وقيل العامل ذاك بمعناه المذكور. وقيل: إنه معطوف علىيَوْمَئِذٍ } [الفرقان: 24] أويَوْمَ يَرَوْنَ } [الفرقان: 22] و { تشقق } تتفتح والتعبير به دونه للتهويل. وأصله تتشقق فحذفت إحدى التاءين كما فيتَلَظى } [الليل: 14] وقرأ الحرميان وابن عامر بإدغام التاء في الشين لما بينهما من المقاربة؛ والظاهر أن المراد بالسماء المظلة لنا وبالغمام السحاب المعروف والباء الداخلة عليه باء السبب، أي تشقق السماء بسبب طلوع الغمام منها، ولا مانع من أن تشقق به كما يشق السنام بالشفرة والله تعالى على كل شيء قدير. وحديث امتناع الخرق على السماء حديث خرافة.

وقيل: باء الحال وهي باء الملابسة. واستظهر بعضهم أي تشقق متغيمة. وقيل: بمعنى عن وإليه ذهب الفراء، والفرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عنه أن معنى الأول أن الله تعالى شقها بطلوعه فانشقت به ومعنى الثانى أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه، وقيل: المراد بالغمام غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إِلا لبني إسرائيل في تيههم. وأخرج ابن أبـي حاتم عن مجاهد أنه الغمام الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة المذكور في قوله سبحانه:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210] قال ابن جريج: وهو غمام زعموا أنه في الجنة، وعن مقاتل أن المراد بالسماء ما يعم السماوات كلها وتشقق سماء سماء، وروي ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج عبد بن حميد وابن أبـي الدنيا في «الأهوال» وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى: { وَنُزّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ تَنزِيلاً } أي تنزيلاً عجيباً غير معهود فقال: يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بجميعهم فتقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والدنيا وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق، ثم ينزل أهل السماء الرابعة وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم، ثم أهل السماء السادسة كذلك، ثم أهل السماء السابعة وهم أكثر من أهل السماوات وأهل الأرض، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السماوات السبع والإنس والجن وجميع الخلق لهم قرون ككعوب القنا وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ما بين أخمص أحدهم إِلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام وما فوق ذلك / خمسمائة عام، ونزول الرب جل وعلا من المتشابه، وكذا قوله: «وحوله الكروبيون» وأهل التأويل يقولون: المراد بذلك نزول الحكم والقضاء، فكأنه قيل: ثم ينزل حكم الرب وحوله الكروبيون أي معه، وأما نزول الملائكة مع كثرتهم وعظم أجسامهم فلا يمنع عنه ما يشاهد من صغر الأرض لأن الأرض يومئذ تمتد بحيث تسع أهلها وأهل السماوات أجمعين، وسبحان من لا يعجزه شيء، ثم الخبر ظاهر في أن الملائكة عليهم السلام لا ينزلون في الغمام، وذكر بعضهم في الآية أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال.

السابقالتالي
2