الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

وقوله تعالى: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } حكاية لاحتجاجه تعالى على العبدة بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن المعبودين عند تمام جوابهم وتوجيهه إلى العبدة مبالغة في تقريعهم وتبكيتهم على تقدير قول مرتب على الجواب أي فقال الله تعالى عند ذلك: قد كذبكم المعبودون أيها الكفرة، وقال بعض الأجلة: الفاء فصيحة مثلها في قول عباس بن الأحنف:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا   ثم القفول فقد جئنا خراسانا
والتقدير هنا قلنا أو قال تعالى إن قلتم إنهم آلهة فقد كذبوكم { بِمَا تَقُولُونَ } أي في قولكم على أن الباء بمعنى في و(ما) مصدرية والجار والمجرور متعلق بالفعل والقول بمعنى المقول، ويجوز أن تكون (ما) موصولة والعائد محذوف أي في الذي تقولونه، وجوز أن تكون الباء صلة والمجرور بدل اشتمال من الضمير المنصوب في { كَذَّبُوكُمْ } والمراد بمقولهم أنهم آلهة أو هؤلاء أضلونا، وتعقب بأن تكذيبهم في هذا القول لا تعلق له بما بعده من عدم استطاعتهم للصرف والنصر أصلاً وإنما الذي يستتبعه تكذيبهم في زعمهم أنهم آلهتهم وناصروهم وفيه نظر كما سنشير إليه قريباً إن شاء الله تعالى. وقيل: الخطاب للمعبودين أي فقد كذبكم العابدون أيها المعبودون في قولكمسُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } [الفرقان: 18] حيث زعموا أنكم آلهة، والمراد الحكم على أولئك المكذبين بالكفر على وجه فيه استزادة غيظ المعبودين عليهم وجعله مفرعاً عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى. والفاء أيضاً فصيحة، والجملة جزاء باعتبار الإخبار، وقيل: هو خطاب للمؤمنين في الدنيا أي فقد كذبكم أيها المؤمنون الكفرة في الدنيا فيما تقولونه من التوحيد وجىء بالكلام ليفرع عليه ما بعد وكلا القولين كما ترى والثاني أبعدهما، وقرأ أبو حيوة { يقولون } بالياء آخر الحروف وهي رواية عن ابن كثير وقنبل، والخطاب في { كَذَّبُوكُمْ } للعابدين وضمير الجمع فيه وفي { يَقُولُونَ } للمعبودين أي فقد كذبكم أيها العبدة المعبودون بزعمكم بقولهمسُبْحَانَكَ } [الفرقان: 18] الخ والباء للملابسة أو الاستعانة، وفيه أيضاً القولان السابقان أي فقد كذبكم أيها المعبودون العبدة بقولهم إنكم آلهة أو فقد كذبكم أيها المؤمنون الكفار في التوحيد بقولهم: إن هؤلاء المحكي عنهم آلهة.

/ { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } أي فما تملكون أيها العبدة { صَرْفاً } أي دفعاً للعذاب عن أنفسكم بوجه من الوجوه كما يعرب عنه التنكير أي لا بالذات ولا بالواسطة، وقيل: حيلة من قولهم: إنه ليتصرف في أموره أي يحتال فيها، وقيل: توبة، وقيل: فدية والأول أظهر فإن أصل الصرف رد الشيء من حالة إلى أخرى وإطلاقه على الحيلة أو التوبة أو الفدية مجاز، والمراد فما تملكون دفعاً للعذاب قبل حلوله { وَلاَ نَصْراً } أي فرداً من أفراد النصر أي العون لا من جهة أنفسكم ولا من جهة غيركم بعد حلوله، وقيل: نصراً جمع ناصر كصحب جمع صاحب وليس بشيء.

السابقالتالي
2