الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً }

{ قُلْ } تقريعاً لهم وتهكماً بهم وتحسيراً على ما فاتهم { أَذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من السعير باعتبار اتصافها بما فصل من الأحوال الهائلة فإنها التي كثيراً ما تقابل بالجنة، وما فيه من معنى البعد للإشعار بكونها في الغاية القاصية من الهول والفظاعة. وقيل: إشارة إلى ما ذكر من الجنة والكنز في قولهم:أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } [الفرقان: 8] الخ. وقيل: إلى الجنة والقصور المجعولة في الدنيا على تقدير المشيئة، وكلا القولين لا يعول عليهما لا سيما الأخير، أي أذلك الذي ذكر من السعير التي أعتدت لمن كذب بالساعة وشأنها كيت وكيت وشأن أهلها ذيت ذيت { خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِى وَعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } أي وعدها المتقون لأن وعد تتعدى لمفعولين وهذا المحذوف هو العائد على الموصول. وإِضافة الجنة إلى الخلد إن كانت نسبة الإضافة معلومة للمدح فإن المدح يكون بما هو معلوم، وإن لم تكن معلومة فلإفادة خلود الجنة، ولا يخدشه قوله تعالى:خَـٰلِدِينَ } [الفرقان: 16] بعد لأنه للدلالة على خلود أهلها لا خلودها في نفسها وإن تلازما أو أن ذلك للتمييز عن جنات الدنيا. وقيل: إن جنة الخلد علم كجنة عدن، والمراد بالمتقين المتصفون بمطلق التقوى لا بالمرتبة الثانية أو الثالثة منها فقط، ويدل عليه مقابلتهم بالكافرين في النظم الكريم، وقيل: يجوز أن يراد الكاملون في التقوى ووعدها إياهم وعد دخولها ابتداء دون / سبق عذاب وهو مختص بهم وليس بذاك. والترديد والتفضيل في { خَيْرٌ } مع أنه لا شك في أنه لا خيرية في السعير للتهكم والتقريع كما أشرنا إليه.

وقال ابن عطية: حيث كان الكلام استفهاماً جاز فيه مجيء لفظة التفضيل بين الجنة والسعير في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ، وإنما منع سيبويه وغيره من التفضيل إذا كان الكلام خبراً لأن فيه مخالفة الواقع، وأما إذا كان استفهاماً فذلك سائغ، وقال أبو حيان ((إن { خَيْرٌ } هنا ليس للدلالة على الأفضلية بل هو على ما جرت به عادة العرب في بيان فضل الشيء وخصوصيته بالفضل دون مقابله كقول حسان:
فشركما لخيركما الفداء   
وقولهم الشقاء أحب إليك أم السعادة والعسل أحلى من الخل، وقوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلامٱلسّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ } [يوسف:33] ولا اختصاص لذلك في استفهام أو خبر. وما ذكر من أمثلة الخبر يرد على ابن عطية إلا أن يقيد الخير الذي ادعى منع سيبويه فيه بما لم يكن الحكم فيه واضحاً أما إذا كان الحكم فيه واضحاً للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد في الأفضل فإن التفضيل يجوز فيه)) وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام وما أشرنا إليه هنا أولى بالاعتبار مما أشار ابن عطية وأبو حيان إليه.

السابقالتالي
2