الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

وقوله تعالى: { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وٰحِداً } على تقدير قول إما منصوب على أنه حال من فاعلدَّعَوَا } [الفرقان: 13] أي دعوا مقولاً لهم ذلك حقيقة كما هو الظاهر بأن تخاطبهم الملائكة لتنبيههم على خلود عذابهم وأنهم لا يجابون إلى ما يدعونه أو لا ينالون ما يتمنونه من الهلاك المنجي أو تمثيلاً لهم وتصويراً لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول وخطاب كما قيل أي دعوه حال كونهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك، وإما لا محل له من الإعراب على أنه معطوف على ما قبله أي إذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً دعوا ثبوراً فيقال لهم: لا تدعوا الخ، أو على أنه مستأنف وقع جواباً عن سؤال مقدر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل: فماذا يكون عند دعائهم المذكور؟ فقيل: يقال لهم ذلك، والمراد به إقناطهم عما علقوا به أطماعهم من الهلاك وتنبيههم على أن عذابهم الملجىء لهم إلى ذلك أبدي لاخلاص لهم منه على أبلغ وجه حيث أشار إلى أن المخلص مما هم فيه من العذاب عادة غير مخلص وما يخلص غير ممكن فكأنه قيل: لا تدعوا اليوم هلاكاً واحداً فإنه لا يخلصكم.

{ وَٱدْعُواْ ثُبُوراً } وهلاكاً { كَثِيراً } لا غاية لكثرته لتخلصوا به وأنى بالهلاك الكثير.
/ ومن لم يمت بالسيف مات بغيره   تعددت الأسباب والموت واحد
وهذا معنى دقيق لم أعلم أن أحداً ذكره. وقيل: وصف الثبور بالكثرة باعتبار كثرة الألفاظ المشعرة به فكأنه قيل: لا تقولوا يا ثبوراه فقط وقولوا يا ثبوراه يا هلا كاه يا ويلاه يا لهفاه إلى غير ذلك وهو كما ترى. وقال شيخ الإسلام: وصفه بذلك بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته في نفسه فإن ما يدعونه ثبور واحد في حد ذاته لكنه كلما تعلق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنه ثبور مغاير لما تعلق به دعاء آخر، وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحداً وادعوه أدعية كثيرة فإن ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن، ثم قال: وهذا أدل على فظاعة العذاب وهوله من جعل تعدد الدعاء وتجدده لتعدد العذاب بتعدد أنواعه وألوانه أو لتعدده بتجدد الجلود كما لا يخفى، وأما ما قيل من أن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها فلا غاية لهلاكهم فلا يلائم المقام كيف وهم إنما يدعون هلاكاً ينهى عذابهم وينجيهم منه فلا بد أن يكون الجواب إقناطاً لهم عن ذلك ببيان استحالته ودوام ما يوجب استدعاءه من العذاب الشديد انتهى.

السابقالتالي
2