الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً }

{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } انتقال إلى حكاية نوع آخر / من أباطيلهم متعلق بأمر المعاد وما قبل كان متعلقاً بأمر التوحيد وأمر النبوة ولا يضر في ذلك العود إلى ما يتعلق بالكلام السابق، واختلاف أساليب الحكاية لاختلاف المحكي، وما ألطف تصدير حكاية ما يتعلق بالآخرة ببل الانتقالية.

وقوله تعالى: { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } الخ لبيان ما لهم في الآخرة بسبب أي هيأنا لهم ناراً عظيمة شديدة الاشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضميرهم أو لكل من كذب بها كائناً من كان وهم داخلون في ذلك دخولاً أولياً. ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع، وهذا الاعتداد وإن كان ليس بسبب تكذيبهم بها خاصة بل يشاركه في السببية له ارتكابهم الأباطيل في أمر التوحيد وأمر النبوة إلا أنه لما كانت الساعة نفسها هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير بما ذكر إلى سببية التكذيب بها لدخولها ولم يتعرض للإشارة إلى سببية شيء آخر؛ وقيل إن من كذب بالساعة صار كالاسم لأولئك المشركين والمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمكذبين بالساعة أي الجامعين للأوصاف الثلاثة لأن التكذيب بها أخص صفاتهم القبيحة وأكثر دوراناً على ألسنتهم إذ من الكفار من يشرك ويكذب برسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يكذب بالساعة. فالمراد من يكذب بالساعة أولئك الصنف من الكفرة وهو كما ترى.

وقيل: إن قوله تعالى { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } عطف على قوله تعالى:قَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } [الفرقان: 7] الخ وإضراب عنه إلى ما هو أعجب منه على معنى أن ذلك تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا تكذيب لله سبحانه وتعالى ففي «صحيح البخاري» عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ـ إلى قوله تعالى ـ فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان " وظاهره أن أعجبية التكذيب بالساعة لأنه تكذيب لله عز وجل، وقال بعضهم: إن الأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله تعالى على الإعادة مع ما شاهدوه في الأنفس والآفاق وما ارتكز في أوهامهم من أن الإعادة أهون من الإبداء وليس ذلك لأنه تكذيب الله عز وجل فإنهم لم يسمعوا أمر الساعة إلا من النبـي صلى الله عليه وسلم فهو تكذيب له عليه الصلاة والسلام فيه، وأنت تعلم أن في الحديث إشارة إلى ما ارتضاه.

وقيل: اضراب عن ذاك على معنى أتوا بأعجب منه حيث كذبوا بالساعة وأنكروها والحال أنا قد اعتدنا لمن كذب بها سعيراً فإن جراءتهم على التكذيب بها وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها من أنواع العذاب أعجب من القول السابق.

السابقالتالي
2