{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الخ دلالة على أن ملاك ذلك كله والمنتفع بتلك الآيات جمع من سلم نفسه لصاحب الشريعة صلوات الله تعالى وسلامه عليه كالميت بين يدي الغاسل لا يحجم ولا يقدم دون إشارته صلى الله عليه وسلم ولهذه الدقيقة أورد هذه الآية شهاب الحق والدين أبوحفص عمر السهروردي قدس سره في باب سير المريد مع الشيخ ونبه بذلك أن كل ما يرسمه من أمور الدين فهو أمر جامع. وقال شيخ الإسلام: إن هذا استئناف جيء به في أواخر الأحكام السابقة تقريراً لها وتأكيداً لوجوب مراعاتها وتكميلاً لها ببيان بعض آخر من جنسها، وإنما ذكر الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم صلة للموصول الواقع خبراً للمبتدأ مع تضمنه له قطعاً تقريراً لما قبله وتمهيداً لما بعده وإيذاناً بأنه حقيق بأن يجعل قريناً للإيمان المذكور منتظماً في سلكه فقوله تعالى: { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } الخ معطوف على { ءامَنُواْ } داخل معه في حيز الصلة وبذلك يصح الحمل، والحصر باعتبار الكمال أي إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن صميم قلوبهم وأطاعوا في جميع الأحكام التي من جملتها ما فصل من قبل من الأحكام المتعلقة بعامة أحوالهم المطردة في الوقوع وأحوالهم الواقعة بحسب الاتفاق كما إذا كانوا معه عليه الصلاة والسلام على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع لغرض من الأغراض. وعن ابن زيد أن الأمر الجامع الجهاد؛ وقال الضحاك: وابن سلام: هو كل صلاة فيها خطبة كالجمعة والعيدين والاستسقاء، وعن ابن جبير هو الجهاد وصلاة الجمعة والعيدين، ولا يخفى أن الأولى العموم وإن كانت الآية نازلة في حفر الخندق ولعل ما ذكر من باب التمثيل. ووصف الأمر بالجمع مع أنه سبب له للمبالغة، والظاهر أن ذلك من المجاز العقلي، وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية. وقرأ اليماني { عَلَىٰ أَمْرٍ جَمِيعٌ } وهو بمعنى جامع أو مجموع له على الحذف والإيصال { لَّمْ يَذْهَبُواْ } عنه صلى الله عليه وسلم { حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } عليه الصلاة والسلام في الذهاب فيأذن لهم به فيذهبون فالغاية هي الإذن الحاصل بعد الاستئذان والاقتصار على الاستئذان لأنه الذي يتم من قبلهم وهو المعتبر في كمال الإيمان لا الأذن ولا الذهاب المترتب عليه واعتباره في ذلك لما أنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص عن المنافق فإن ديدنه التسلل للفرار. ولتعظيم ما في الذهاب بغير إذنه عليه الصلاة والسلام من الجناية وللتنبيه على ذلك عقب سبحانه بقوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فقد جعل فيه المستأذنين هم المؤمنون عكس الأول دلالة على أنهما متعاكسان سواء بسواء ومنه يلزم أنه كالمصداق لصحة الإيمانين وكذلك من اسم الإشارة لدلالته على أن استئهال الإيمانين لذلك { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ } بيان لما هو وظيفته صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إثر بيان ما هو وظيفة المؤمنين، والفار لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي بعد ما تحقق أن الكاملين في الإيمان هم المستأذنون فإذا استأذنوك لبَعْض شَأْنهمْ } أي لبعض أمرهم المهم وخطبهم الملم { فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } تفويض للأمر إلى رأيه صلى الله عليه وسلم.