الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

وقوله تعالى: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الخ بيان لمآل الكفرة في الدنيا والآخرة بعد بيان تناهيهم في الفسق وفوز أضدادهم بالرحمة المطلقة المستتبعة لسعادة الدارين، وفي ذلك أيضاً رفع استبعاد تحقق الوعد السابق مع كثرة عدد الكفرة وعددهم والخطاب لكل من يتأتى منه الحسبان نظير ما في قوله تعالى:وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُؤُوسِهُمْ } [السجدة: 12]. وجوز أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التعريض بمن صدر منه ذلك كقوله:
إياك أعني فاسمعي يا جارة   
أو الإشارة إلى أن الحسبان المذكور بلغ في القبح والمحذورية إلى حيث ينهي من يمتنع صدوره عنه فكيف بمن يكن ذلك منه كما قيل في قوله تعالى:وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 14] فقول أبـي حيان: إن جعل الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ليس بجيد لأن مثل هذا الحسبان لا يتصور وقوعه منه عليه الصلاة والسلام ليس بجيد لما فيه من الغفلة عما ذكر؛ ومحل الموصول نصب على أنه مفعول أول للحسبان وقوله تعالى: { مُعَـٰجِزِينَ } ثانيهما وقوله تعالى: { فِى ٱلاْرْضِ } ظرف لمعجزين لكن لا لإفادة كون الإعجاز المقصود بالنفي فيها لا في غيرها فإن ذلك غني عن البيان بل لإفادة شمول عدم الإعجاز لجميع أجزائها أي لا تحسبنهم معجزين الله تعالى عن إدراكهم وإهلاكهم في قطر من أقطار الأرض بما رحبت وإن هربوا منها كل مهرب. وقرأ حمزة وابن عامر { يَحْسَبَنَّ } بالياء آخر الحروف على أن الفاعل كل أحد كأنه قيل لا يحسبن حاسب الكافرين معجزين له عز وجل في الأرض أو ضميره صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى:وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [النور: 56] وإليه ذهب أبو علي.

وزعم أبـي حيان أنه ليس بجيد لما تقدم ليس بجيد لما تقدم أو ضمير الكافر أي لا يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين، ونقل ذلك عن علي بن سليمان أو الموصول والمفعول الأول محذوف كأنه قيل: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين في الأرض، وذكر أن الأصل على هذا لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشيء الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث، وتعقبه في «البحر» بأن هذا الضمير ليس من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يجوز كون الأصل لا يحسبهم الذين الخ كما لا يجوز ظنه زيد قائماً، وقال الكوفيون { مُعَـٰجِزِينَ } المفعول الأول و { فِى ٱلاْرْضِ } المفعول الثاني، والمعنى لا يحسبن الذين كفروا أحداً يعجز الله تعالى في الأرض حتى يطمعوا في مثل ذلك، قال الزمخشري: وهذا معنى قوي جيد، وتعقب بأنه بمعزل عن المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أن مصب الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض.

السابقالتالي
2