الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

وقوله تعالى: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ } خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه ففي الآية تنويع الخطاب حيث خاطب سبحانه المقسمين على تقدير التولي ثم صرفه تعالى عنهم إلى المؤمنين الثابتين وهو كالاعتراض بناء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى من كونوَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ } [النور: 56] عطفاً على قوله سبحانه:أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } [النور: 54] وفائدته أنه لما أفاد الكلام السابق أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحاً ولا يخاف مضرتهم أكد بأنه عليه الصلاة والسلام هو الغالب ومن معه فأنى للخوف مجال، وإن شئت فاجعله استئنافاً جيء به لتأكيد / ما يفيده الكلام من نفي المضرة على أبلغ وجه من غير اعتبار كونه اعتراضاً فإن في العطف المذكور ما ستسمعه إن شاء الله تعالى؛ و(من) بيانية، ووسط الجار والمجرور بين جملة { آمنوا } والجملة المعطوفة عليها الداخلة معها في حيز الصلة أعني قوله تعالى:

{ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } مع التأخير في قوله تعالى:وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [الفتح: 29] قيل للدلالة على أن الأصل في ثبوت الاستخلاف الإيمان، ولهذا كان الأصح عدم الانعزال بالفسق الطارىء ودل عليه صحاح الأحاديث ومدخلية الصلاح في ابتداء البيعة وأما في المغفرة والأجر العظيم فكلاهما أصل فكان المناسب التأخير. وقد يقال: إن ذلك لتعجيل مسرة المخاطبين حيث إن الآية سيقت لذلك. وقيل: الخطاب للمقسمين والكلام تتميم لقوله تعالى:وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } [النور: 54] ببيان ما لهم في العاجل من الاستخلاف وما يترتب عليه وفي الآجل ما لا يقادر قدره على ما أدمج في قوله سبحانه:لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور: 56] والجار للتبعيض وأمر التوسيط على حاله، ولم يرتضه بعض الأجلة لأن { ءامَنُواْ } إن كان ماضياً على حقيقته لم يستقم إذ لم يكن فيهم من كان آمن حال الخطاب وإن جعل بمعنى المضارع على المألوف من إخبار الله تعالى فمع نبوه عن هذا المقام لم يكن دليلاً على صحة أمر الخلفاء ولم يطابق الواقع أيضاً لأن هؤلاء الأجلاء لم يكن من بعض من آمن من أولئك المخاطبين ولا كان في المقسمين من نال الخلافة انتهى، وفيه شيء، ولعله لا يضر بالغرض وارتضى أبو السعود تعلق الكلام بذلك وادعى أنه استئناف مقرر لما في قوله تعالى:وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } [النور: 54] الخ من الوعد الكريم معرب عنه بطريق التصريح ومبين لتفاصيل ما أجمل فيه من فنون السعادات الدينية والدنيوية التي هي من آثار الاهتداء ومتضمن لما هو المراد بالطاعة التي نيط بها الاهتداء وأن المراد بالذين آمنوا كل من اتصف بالإيمان بعد الكفر على الإطلاق من أي طائفة كان وفي أي وقت كان لا من آمن من طائفة المنافقين فقط ولا من آمن بعد نزول الآية الكريمة فحسب ضرورة عموم الوعد الكريم وأن الخطاب ليس للرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين المخلصين أو من يعمهم وغيرهم من الأمة ولا للمنافقين خاصة بل هو لعامة الكفرة وأن من للتبعيض، وقال في نكتة التوسيط: إنه لإظهار أصالة الإيمان وعراقته في استتباع الآثار والأحكام والإيذان بكونه أول ما يطلب منهم وأهم ما يجب عليهم، وأما التأخير في آية سورة الفتح فلأن (من) هناك بيانية والضمير للذين معه عليه الصلاة والسلام من خلص المؤمنين ولا ريب في أنهم جامعون بين الإيمان والأعمال الصالحة مثابرون عليها فلا بد من ورود بيانهم بعد ذكر نعوتهم الجليلة بكمالها انتهى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8