الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

وقوله سبحانه: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } جار على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي، ونصب { قَوْلَ } على أنه خبر (كان) و(إن) مع ما في حيزها في تأويل مصدر اسمها، ونص سيبويه في مثل ذلك على جواز العكس فيرفع { قَوْلَ } على الاسمية وينصب المصدر الحاصل من السبك على الخبرية. وقد قرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن أبـي إسحٰق والحسن برفع { قَوْلَ } على ذلك، قال الزمخشري: والنصب أقوى لأن الأولى للاسمية ما هو أوغل في التعريف وذلك هو المصدر الذي أول به { أَن يَقُولُواْ } لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف { قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فإنه يحتمله كما إذا اختزلت عنه الإضافة، وقيل في وجه أعرفيته أنه لا يوصف كالضمير، ولا يخفى أنه لا دخل له في الأعرفية، ثم أنت تعلم أن المصدر الحاصل من سبك (أن) والفعل لا يجب كونه مضافاً في كل موضع ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى:وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ أَن يُفْتَرَى } [يونس: 37] إنه بمعنى ما كان هذا القرآن افتراء. وذكر أن جواز تنكيره مذهب الفارسي وهو متعين في نحو أن يقوم رجل إذ هومؤول قطعاً بقيام رجل وهو نكرة بلا ريب.

وفي «إرشاد العقل السليم» أن النصب أقوى صناعة لكن الرفع أقعد معنى وأوفى لمقتضى المقام لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل هو الخبر فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدوث وأوفر اشتمالاً على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع ولا ريب في أن ذلك هٰهنا في (أن) مع ما في حيزها أتم وأكمل فإذن هو أحق بالخبرية، وأما ما تفيده الإضافة من النسبة المطلقة الإجمالية فحيث كانت قليلة الجدوى سهلة الحصول خارجاً وذهناً كان حقها أن تلاحظ ملاحظة مجملة وتجعل عنواناً للموضوع فالمعنى إنما كان مطلق القول الصادر عن المؤمنين إذا دعوا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم وبين خصومهم أن يقولوا سمعنا الخ أي خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولاً آخر أصلاً، وأما النصب فالمعنى عليه إنما كان قولاً للمؤمنين خصوصية قولهم { سَمِعْنَا } الخ ففيه من جعل أخص النسبتين وأبعدهما / وقوعاً وحضوراً في الأذهان وأحقهما بالبيان مفروغاً عنها عنواناً للموضوع وإبراز ما هو بخلافها في معرض القصد الأصلي ما لا يخفى انتهى.

وبحث فيه بعضهم بأن مساق الآية يقتضي أن يكون قول المؤمنين سمعنا وأطعنا في مقابلة إعراض المنافقين فحيث ذم ذلك على أتم وجه ناسب أن يمدح هذا، ولا شك أن الأنسب في مدحه الإخبار عنه لا الإخبار به فينبغي أن يجعل { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } اسم كان و { قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } خبرها وفي ذلك مدح لقولهم { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } إذ معنى كونه قول المؤمنين أنه قول لائق بهم ومن شأنهم على أن الأهم بالإفادة كون ذلك القول الخاص هو قولهم: { إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } أي قولهم المقيد بما ذكر ليظهر أتم ظهور مخالفة حال قولهم { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وحال قول المنافقين

السابقالتالي
2