الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } أي رجعوا عما قالوا وندموا / على ما تكلموا استثناء من الفاسقين كما صرح به أكثر الأصحاب. وقال بعضهم: المستثنى منه في الحقيقةأُوْلَـٰئِكَ } [النور: 4] وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك. ومحل المستثنى النصب لأنه عن موجب. وقوله عز وجل: { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } لتهويل المتوب عنه أي من بعدما اقترفوا ذلك الذنب العظيم الهائل. وقوله تعالى: { وَأَصْلَحُواْ } على معنى وأصلحوا أعمالهم بالاستحلال ممن رموه. وهذا ظاهر إن كان قد بقي حياً فإن كان قد مات فلعل الاستغفار له يقوم مقام الاستحلال منه كما قيل في نظير المسألة. فإن كانوا قد رموا أمواتاً فالظاهر أنهم يستحلون ممن خاصمهم وطلب إقامة الحد عليهم. ويحتمل أن يغني عنه الاستغفار لمن رموه. والجمع بين الاستحلال من أولئك المخاصمين والاستغفار للمرميين أولى ولم أر من تعرض لذلك.

وكون الاستثناء من الجملة الأخيرة مذهب الحنفية فعندهم لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب وأصلح لكن قالوا: إن حد الكافر ثم أسلم قبلت شهادته وإن لم تكن تقبل قبل على أهل الذمة، ووجهه أن النص موجب لرد شهادته الناشئة عن أهليته الثابتة له عند القذف ولذا قيلوَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً } [النور: 4] دون ولا تقبلوا شهادتهم أي ولا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات حال كونها حاصلة لهم عند الرمي والشهادة التي كانت حاصلة للكافر عند الرمي هي الشهادة على أبناء جنسه فتدخل تحت الرد، وأما الشهادة التي اعتبرت بعد الإسلام فغير تلك الشهادة ولهذا قبلت على أهل الإسلام وغيرهم فلم تدخل تحت الرد، وهذا بخلاف العبد إذا حد في قذف ثم أعتق فإنه لا تقبل شهادته لأنه لم تكن له شهادة من قبل للرق فلزم كون تتميم حده برد شهادته التي تجددت له، وقد طلب الفرق بينه وبين من زنى في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام فإنه لا يحد حيث توقف حكم الموجب في العبد إلى أن أمكن ولم يتوقف في الزنا في دار الحرب إلى الامكان بالخروج إلى دار الإسلام. وأجيب بأن الزنا في دار الحرب لم يقع موجباً أصلاً لعدم قدرة الإمام فلم يكن الإمام مخاطباً بإقامته أصلاً لأن القدرة شرط التكليف لو حد بعد خروجه من غير سبب آخر كان بلا موجب وغير الموجب لا ينقلب موجباً بنفسه خصوصاً في الحد المطلوب درؤه، وأما قذف العبد فموجب حال صدوره للحد غير أنه لم يكن تمامه في الحال فيتوقف تتميمه على حدوث ذلك بعد العتق كذا قيل.

وقال في «المبسوط» في الفرق بين الكافر إذا أسلم بعد الحد والعبد إذا اعتق بعده: إن الكافر استفاد بالإسلام عدالة لم تكن موجودة له عند إقامة الحد وهذه العدالة لم تكن مجروحة بخلاف العبد فإنه بالعتق لا يستفيد عدالة لم تكن من قبل وقد صارت عدالته مجروحة بإقامة الحد، ثم لا فرق في العبد بين أن يكون حد ثم أعتق وبين أن يكون أعتق ثم حد حيث لم تقبل شهادته في الصورتين، وأما الكافر فإنه لو قذف محصناً ثم أسلم ثم حد لا تقبل شهادته، ومقتضى الآية عدم قبول كل شهادة للمحدود حادثة كانت أو قديمة لما أن { شَهَادَةً } نكرة وهي واقعة في حيز النهي فتفيد العموم كالنكرة الواقعة في حيز النفي، وهذا يعكر على ما مر من قبول شهادة الكافر المحدود إذا أسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9