الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ } إرشاد للتائقين العاجزين عن مبادي النكاح وأسبابه إلى ما هو أولى لهم وأحرى بهم، أي وليجتهد في العفة وصون النفس { ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } أي أسباب نكاح أو لا يتمكنون مما ينكح به من المال على أن فعالاً اسم آلة كركاب لما يركب به { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } عدة كريمة بالتفضل عليهم بالغنى ولطف بهم في استعفافهم وربط على قلوبهم وإيذان بأن فضله تعالى أولى بالأعفاء وأدنى من الصلحاء. واستدل بالآية بعض الشافعية على ندب ترك النكاح لمن لا يملك أهبته مع التوقان، وكثير من الناس ذهب إلى استحبابه له لآيةإِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النور: 32] وحملوا الأمر بالاستعفاف في هذه الآية على من لم يجد زوجة بجعل فعال صفة بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب، ولا يخفى أن الغاية المذكورة تبعده، ولا يلزم من الفقر وجدان الأهبة المفسرة عندهم بالمهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه، والمذكور في معتبرات «كتبنا» أن النكاح يكون واجباً عند التوقان أي شدة الاشتياق بحيث يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وكذا فيما يظهر لو كان لا يمكنه منع نفسه عن النظر المحرم أو عن الاستمناء بالكف ويكون فرضاً بأن كان لا يمكنه الاحتراز عن الزنا إلا به بأن لم يقدر على التسري أو الصوم الكاسر للشهوة كما يدل عليه حديث " ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " فلو قدر على شيء من ذلك لم يبق النكاح فرضاً أو واجباً عيناً بل هو أو غيره مما يمنعه من الوقوع في المحرم، وكلا القسمين مشروط بملك المهر والنفقة، وزاد في «البحر» شرطاً آخر فيهما وهو عدم خوف الجور ثم قال: فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني ويكره التزوج حينئذ كما أفاده الكمال في «الفتح» ولعله لأن الجور معصية متعلقة بالعباد دون المنع من الزنا وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى عز وجل انتهى.

ومقتضاه الكراهة أيضاً عند عدم ملك المهر والنفقة لأنهما حق عبد أيضاً وإن خاف الزنا لكن ذكروا أنه يندب استدانة المهر ومقتضاه أنه يجب إذا خاف الزنا وإن لم يملك المهر إذا قدر على استدانته، وهذا مناف للاشتراط السابق إلا أن يقال: / الشرط ملك النفقة والمهر ولو بالاستدانة أو يقال: هذا في العاجز عن الكسب ومن ليس له جهة وفاء. وذكر بعض الأجلة أنه ينبغي حمل ما ذكروا من ندب الاستدانة على ندبها إذا ظن القدرة على الوفاء وحينئذ فإذا كانت مندوبة مع هذا الظن عند أمنه من الوقوع في الزنا ينبغي وجوبها عند تيقن الزنا بل ينبغي وجوبها حينئذ وإن لم يغلب على ظنه قدرة الوفاء وهو معذور فيما أرى عند الله عز وجل إذا فعل ومات ولم يترك وفاء فتأمّل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد