الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ } بعدما زجر سبحانه عن السفاح ومباديه القريبة والبعيدة أمر بالنكاح فإنه مع كونه مقصوداً بالذات من حيث كونه مناطاً لبقاء النوع على وجه سالم من اختلاط الأنساب مزجرة من ذلك. و { ٱلايَـٰمَىٰ } ـ كما نقل في «التحرير» عن أبـي عمرو وإليه ذهب الزمخشري ـ مقلوب أيايم جمع أيم لأن فيعل لا يجمع على فعالى أي إن أصله ذلك فقدمت الميم وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أن جمع شاذ لا قلب فيه ووزنه فعالى وهو ظاهر كلام سيبويه. والأيم قال النضر بن شميل: كل ذكر لا أنثى معه وكل أنثى لا ذكر معها بكراً أو ثيباً ويقال: آم وآمت إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين قال:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي   وإن كنت أفتى منكم أتأيم
وقال التبريزي في «شرح ديوان أبـي تمام»: قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته وفي المرأة إذا مات زوجها، وفي الشعر القديم ما يدل على أن ذلك بالموت وبترك الزوج من غير موت قال الشماخ:
يقر لعيني أن أحدث أنها   وأن لم أنلها أيم لم تزوج
انتهى، وفي «شرح كتاب سيبويه» لأبـي بكر الخفاف: الأيم التي لا زوج لها وأصله هي التي كانت متزوجة ففقدت زوجها برزء طرأ عليها ثم قيل في البكر مجازاً لأنها لا زوج لها، وعن محمد أنها الثيب واستدل به بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها " حيث قابلها بالبكر، وفيه أنه يجوز أن تكون مشتركة لكن أريد منها ذلك لقرينة المقابلة؛ والأكثرون على ما قاله النضر / أي زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر.

{ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } على أن الخطاب للأولياء والسادات، والمراد بالصلاح معناه الشرعي، واعتباره في الأرقاء لأن من لا صلاح له منهم بمعزل من أن يكون خليقاً بأن يعتني مولاه بشأنه ويشفق عليه ويتكلف في نظم مصالحه بما لا بد منه شرعاً وعادة من بذل المال والمنافع بل ربما يحصل له ضرر منه بتزويجه فحقه أن يستبقيه عنده ولما لم يكن من لا صلاح له من الأحرار والحرائر بهذه المثابة لم يعتبر صلاحهم. وقيل المراد بالصلاح معناه اللغوي أي الصالحين للنكاح والقيام بحقوقه.

والأمر هنا قيل للوجوب وإليه ذهب أهل الظاهر، وقيل للندب وإليه ذهب الجمهور. ونقل الإمام [الرازي] عن أبـي بكر الرازي أن الآية وإن اقتضت [بظاهرها] الإيجاب إلا أنه أجمع السلف على أنه لم يرد [به] الإيجاب، ويدل عليه أمور، أحدها: أن الإنكاح لو كان واجباً لكان النقل بفعله من النبـي صلى الله عليه وسلم ومن السلف مستفيضاً شائعاً لعموم الحاجة [إليه] فلما وجدنا عصره عليه الصلاة والسلام وسائر الأعصار بعده قد كانت فيه أيامى من الرجال والنساء ولم ينكر ذلك ثبت أنه لم يرد بالأمر الإيجاب، وثانيها: أنا أجمعنا على أن الأيم الثيب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها، وثالثها: اتفاق الكل على أنه لا يجب على السيد تزويج أمته وعبده فيقتضي للعطف عدم الوجوب في الجميع، ورابعها: أن اسم الأيامى ينتظم الرجال والنساء فلما لزم في الرجال تزويجهم بإذنهم لزم ذلك في النساء انتهى، وقال الإمام نفسه: ظاهر الأمر للوجوب فيدل على أن الولي يجب عليه تزويج موليته وإذا ثبت هذا وجب أن لا يجوز النكاح إلا بولي وإلا لفوتت المولية على الولي المكنة من أداء هذا الواجب وإنه غير جائز.

السابقالتالي
2 3 4