الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

{ قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ } شروع في بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخولهم البيوت اندارجاً أولياً. وتلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفويض ما في حيزه من الأوامر والنواهي إليه عليه الصلاة والسلام قيل لأنها تكاليف متعلقة بأمور جزئية كثيرة الوقوع حرية بأن يكون الآمر بها والمتصدي لتدبيرها حافظاً ومهيمناً عليهم. وقيل: إن ذلك لما أن بعض المؤمنين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستدعي لأن يقول له ما في حيز القول. فقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أمري فأتاه فقص عليه قصته فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: هذا عقوبة ذنبك وأنزل الله تعالى: { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ }.

{ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ } ومفعول القول مقدر، و { يَغُضُّواْ } جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط كأنه قيل: إن تقل لهم غضوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور.

وجوز أن يكون { يَغُضُّواْ } جواباً للأمر المقدر المقول للقول. وتعقب بأن الجواب لا بد أن يخالف المجاب إما في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو قم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيه، وأيضاً الأمر للمواجهة و { يَغُضُّواْ } غائب ومثله لا يجوز، وقيل عليه: إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل «من كانت هجرته» الحديث ولا نسلم أنه لا يجاب الأمر بلفظ الغيبة إذا كان محكياً بالقول لجواز التلوين حنيئذ وفيه بحث، ومن أنصف لا يرى هذا الوجه وجيهاً وهو على ما فيه خلاف الظاهر جداً. وجوز الطبرسي وغيره أن يكون { يغضواْ } مجزوماً بلام أمر مقدرة لدلالة { قُلْ } أي قل لهم ليغضوا والجملة نصب على المفعولية للقول. وغض البصر إطباق الجفن على الجفن، و { مِنْ } قيل صلة وسيبويه يأبـى ذلك في مثل هذا الكلام والجواز مذهب الأخفش، وقال ابن عطية: يصح أن تكون (من) لبيان الجنس ويصح أن تكون لابتداء الغاية. وتعقبه في «البحر» بأنه لم يتقدم مبهم لتكون (من) لبيان الجنس على أن الصحيح أنها ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس انتهى، والجل على أنها هنا تبعيضية، والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل، وجعل الغض عن بعض المبصر غض بعض البصر وفيه كما في «الكشف» كناية حسنة.

السابقالتالي
2 3