الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ }

{ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ } الحق الذي جاء به النبـي صلى الله عليه وسلم وجعل الاتباع حقيقياً والإسناد مجازياً، وقيل مآل المعنى لو اتبع النبـي صلى الله عليه وسلم أهواءهم فجاءهم بالشرك بدل ما أرسل به { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } أي لخرب الله تعالى العالم وقامت القيامة لفرط غضبه سبحانه وهو فرض محال من تبديله عليه الصلاة والسلام ما أرسل به من عنده، وجوز أن يكون المراد بالحق الأمر المطابق للواقع في شأن الألوهية والاتباع مجازاً عن الموافقة أي لو وافق الأمر المطابق للواقع أهواءهم بأن كان الشرك حقاً لفسدت السمٰوات والأرض حسبما قرر في قوله تعالى:لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] ولعل الكلام عليه اعتراض للإشارة إلى أنهم كرهوا شيئاً لا يمكن خلافه أصلاً فلا فائدة لهم في هذه الكراهة. واعترض بأنه لا يناسب المقام وفيه بحث، وكذا ما قيل: إن ما يوافق أهواءهم هو الشرك في الألوهية لأن قريشاً كانوا وثنية وهو لا يستلزم الفساد والذي يستلزمه إنما هو الشرك في الربوبية كما تزعمه الثنوية وهم لم يكونوا كذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان: 25]. وجوز أن يكون المعنى لو وافق الحق مطلقاً أهواءهم لخرجت السمٰوات والأرض عن الصلاح والانتظام بالكلية، والكلام استطراد لتعظيم شأن الحق مطلقاً بأن السمٰوات والأرض ما قامت ولا من فيهن وإلا به ولا يخلو عن حسن.

وقيل: المراد بالحق هو الله تعالى. وقد أخرجه ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن أبـي صالح وحكاه بعضهم عن ابن جريج والزمخشري عن قتادة والمعنى عليه: لو كان الله تعالى يتبع أهواءهم ويفعل ما يريدون فيشرع لهم الشرك ويأمرهم به لم يكن سبحانه إلهاً فتفسد السماوات والأرض. وهذا مبني على أن شرع الشرك نقص يجب تنزيه الله تعالى عنه. وقد ذكر ذلك الخفاجي وذكر أنه قد قام الدليل العقلي عليه وأنه لا خلاف فيه. ولعل الكلام عليه اعتراض أيضاً للإشارة إلى عدم إمكان إرسال النبـي عليه الصلاة والسلام إليهم بخلاف ما جاء به مما لا يكرهونه فكراهتهم لما جاء به عليه الصلاة والسلام لا تجديهم نفعاً فالقول بأنه بعيد عن مقتضى المقام ليس في محله. وقيل: المعنى عليه لو فعل الله تعالى ما يوافق أهواءهم لاختل نظام العالم لما أن آراءهم متناقضة. وفيه إشارة إلى فساد عقولهم وأنهم لذلك كرهوا ما كرهوه من الحق الذي / جاء به عليه الصلاة والسلام وهو كما ترى. وقرأ ابن وثاب { ولو ٱتبع } بضم الواو.

{ بَلْ أَتَيْنَـٰهُمْ بِذِكْرِهِمْ } انتقال من تشنيعهم بكراهة الحق إلى تشنيعهم بالإعراض عما جبل عليه كل نفس من الرغبة فيما فيه خيرها والمراد بالذكر القرآن الذي هو فخرهم وشرفهم حسبما ينطق به قوله تعالى:

السابقالتالي
2