{ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِك } أي المذكور من الحد المتسع وهو أربع من الحرائر وما شاء من الإماء، وانتصاب { وَرَاء } على أنه مفعول { أَبْتَغِى } أي خلاف ذلك وهو الذي ذهب إليه أبو حيان، وقال بعض المحققين: إن { وَرَاء } ظرف لا يصلح أن يكون مفعولاً به وإنما هو ساد مسد المفعول به، ولذا قال الزمخشري: أي فمن أحدث ابتغاء وراء ذلك { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } الكاملون في العدوان المتناهون فيه كما يشير إليه الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم، وفي الآية رعاية لفظ { مِنْ } ومعناها ويدخل فيما { وَرَاء ذٰلِك } الزنا واللواط ومواقعة البهائم وهذا مما لا خلاف فيه. واختلف في وطء جارية أبيح له وطؤها فقال الجمهور: هو داخل فيما وراء ذلك أيضاً فيحرم وهو قول الحسن وابن سيرين وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن أبـي شيبة وعبد الرزاق عنه أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها فقال: لا يحل لك أن تطأ فرجاً أي غير فرج زوجتك إلا فرجاً إن شئت بعت وإن شئت وهبت وإن شئت أعتقت، وعن ابن عباس أنه غير داخل فلا يحرم، فقد أخرج عبد الرزاق عنه رضي الله تعالى عنه قال: إذا أحلت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها وهو قول طاوس، أخرج عنه عبد الرزاق أيضاً أنه قال: هو أحل من الطعام فإن ولدت فولدها للذي أحلت له وهي لسيدها الأول، وأخرج عن عطاء أنه قال: كان يفعل ذلك يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه والمرأة لزوجها وقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته لصديقه وإلى هذا ذهبت الشيعة، والآية ظاهرة في رده لظهور أن المعارة للجماع ليست بزوجة ولا مملوكة وكذا قوله تعالى:{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } [النساء: 3] فإن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر خصوصاً إذا كان المقام مقتضياً لذكر جميع ما لا يجب العدل فيه، وفي عدم وجوب العدل تكون العارية أقدم من الكل إذ لا يجب فيها إلا تحمل منة مالك الفرج فقط وكذا قوله سبحانه:{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } [النساء: 25] ـ إلى قوله تعالى ـ:{ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [النساء: 25] فإنه لو جازت العارية لما كان خوف العنت والحاجة إلى نكاح الإماء وإلى الصبر على ترك نكاحهن متحققاً، ونحوه قوله سبحانه:{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النور: 33] فإنه لو كانت العارية جائزة لم يؤمر الذين لا يجدون نكاحاً بالاستعفاف، ولعل الرواية السابقة عن ابن عباس غير صحيحة.