وقوله سبحانه: { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } خبر{ أَنَّ } [المؤمنون: 55] والراجع إلى الاسم محذوف أي أيحسبون أن الذي نمدهم به من المال والبنين نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم على أن الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وحذف هذا العائد لطول الكلام مع تقدم نظيره في الصلة إلا أن حذف مثله قليل، وقال هشام بن معاوية: الرابط هو الاسم الظاهر وهو { الخَيْرَاتِ } وكأن المعنى نسارع لهم فيه ثم أظهر فقيل في الخيرات، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، قيل: ولا يجوز أن يكون الخبر{ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } [المؤمنون: 55] لأن الله تعالى أمدهم بذلك فلا يعاب ولا ينكر عليهم اعتقاد المدد به كما يفيده الاستفهام الإنكاري. وتعقب بأنه لا يبعد أن يكون المراد ما نجعله مدداً نافعاً لهم في الآخرة ليس المال والبنين بل الاعتقاد والعمل الصالح كقوله تعالى:{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88-89] وفيه ما فيه. وما ذكرنا من كون{ مَا } [المؤمنون: 55] موصولة هو الظاهر، ومن جوز كونها مصدرية وجعل المصدر الحاصل بعد السبك اسم{ أَنَّ } [المؤمنون: 55] وخبرها { نُسَارِعُ } على تقدير مسارعة بناءً على أن الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل لم يوف القرآن الكريم حقه، وكذا من جعلها كافة كالكسائي ونقل ذلك عنه أبو حيان، وجوز عليه الوقف على{ بُنْيَـٰنٌ } [المؤمنون: 55] معللاً بأن ما بعد يحسب قد انتظم مسنداً ومسنداً إليه من حيث المعنى وإن كان في تأويل مفرد وهو كما ترى. وقرأ ابن وثاب { إنَّمَا نُمِدُّهُمْ } [المؤمنون: 55] بكسر همزة (إن). وقرأ ابن كثير في رواية { يمدهم } بالياء. وقرأ السلمي وعبد الرحمن بن أبـي بكرة { يسارع } بالياء وكسر الراء فإن كان فاعله ضميره تعالى فالكلام في الرابط على ما سمعت، وإن كان ضمير الموصول فهو الرابط. وعن ابن أبـي بكرة المذكور أنه قرأ { يسارع } بالياء وفتح الراء مبنياً للمفعول. وقرأ الحر النحوي { نسرع } بالنون مضارع أسرع. وقرىء على ما في «الكشاف» { يسرع } بالياء مضارع أسرع أيضاً وفي فاعله الاحتمالان المشار إليهما آنفاً. { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي كلا لا نفعل ذلك بل لا يشعرون أي ليس من شأنهم الشعور إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل حتى يتأملوا ويتفكروا في ذلك أهو استدراج أم مسارعة ومبادرة في الخيرات. ومن هنا قيل: من يعص الله تعالى ولم ير نقصاناً فيما أعطاه سبحانه من الدنيا فليعلم أنه مستدرج قد مكر به، وقال قتادة: لا تعتبروا الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبروهم بالإيمان والعمل الصالح.