الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }

{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً } أية آية دالة على عظيم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر، فالآية أمر واحد مشترك بينهما فلذا أفردت، وجوز أن يكون الكلام على تقدير مضاف أي جعلنا حال ابن مريم وأمه آية أو جعلنا ابن مريم وأمه ذوي آية وأن يكون على حذف آية من الأول لدلالة الثاني عليه أو بالعكس أي جعلنا ابن مريم آية لما ظهر فيه عليه السلام من الخوارق كتكلمه في المهد بما تكلم صغيراً وإحيائه الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص وغير ذلك كبيراً وجعلنا أمه آية بأن ولدت من غير مسيس، وقال الحسن: إنها عليها / السلام تكلمت في صغرها أيضاً حيث قالت:هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 37] ولم تلتقم ثدياً قط، وقال الخفاجي: لك أن تقول: إنما يحتاج إلى توجيه إفراد الآية بما ذكر إذا أريد أنها آية على قدرة الله تعالى أما إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فلا لأنها إنما هي لعيسى عليه السلام لنبوته دون مريم اهـ. ولا يخفى ما فيه والوجه عندي ما تقدم، والتعبير عن عيسى عليه السلام بابن مريم وعن مريم بأمه للإيذان من أول الأمر بحيثية كونهما آية فإن نسبته عليه السلام إليها مع أن النسب إلى الآباء دالة على أن لا أب له أي جعلنا ابن مريم وحدها من غير أن يكون له أب وأمه التي ولدته خاصة من غير مشاركة الأب آية، وتقديمه عليه السلام لأصالته فيما ذكر من كونه آية كما قيل إن تقديم أمه في قوله تعالى:وَجَعَلْنَـٰهَا وَٱبْنَهَا ءايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [الأنبياء: 91] لأصالتها فيما نسب إليها من الإحصان والنفخ.

ثم اعلم أن الذي أجمع عليه الإسلاميون أنه ليس لمريم ابن سوى عيسى عليه السلام. وزعم بعض النصارى قاتلهم الله تعالى أنها بعد أن ولدت عيسى تزوجت بيوسف النجار وولدت منه ثلاثة أبناء، والمعتمد عليه عندهم أنها كانت في حال الصغر خطيبة يوسف النجار وعقد عليها ولم يقربها ولما رأى حملها بعيسى عليه السلام هم بتخليتها فرأى في المنام ملكاً أوقفه على حقيقة الحال فلما ولدت بقيت عنده مع عيسى عليه السلام فجعل يربيه ويتعهده مع أولاد له من زوجة غيرها فأما هي فلم يكن يقربها أصلاً. والمسلمون لا يسلمون أنها كانت معقوداً عليها ليوسف ويسلمون أنها كانت خطيبته وأنه تعهدها وتعهد عيسى عليه السلام ويقولون: كان ذلك لقرابته منها.

{ وَءاوَيْنَـٰهُمَا } أي جعلناهما يأويان { إِلَىٰ رَبْوَةٍ } هي ما ارتفع من الأرض دون الجبل. واختلف في المراد بها هنا فأخرج وكيع وابن أبـي شيبة وابن المنذر وابن عساكر بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: { إِلَىٰ رَبْوَةٍ } أنبئنا أنها دمشق، وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام وعن يزيد بن شجرة الصحابـي وعن سعيد بن المسيب وعن قتادة عن الحسن أنهم قالوا: الربوة هي دمشق، وفي ذلك حديث مرفوع أخرجه ابن عساكر عن أبـي أمامة بسند ضعيف.

السابقالتالي
2 3