الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } عطف علىأَنشَأْنَا } [المؤمنون:42] لكن لا على معنى أن إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة جميعاً بل على معنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إرسال قرن مخصوص بذلك الرسول كأنه قيل: ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولاً خاصاً به، والفصل بين المعطوفين بالجملة المعترضة للمسارعة إلى بيان هلاك أولئك القرون على وجه إجمالي، وتعليق الإرسال بالرسل نظير تعليق القتل بالقتيل في «من قتل قتيلاً» وللعلماء فيه توجيهات.

{ تَتْرَا } من المواترة وهو التتابع مع فصل ومهلة على ما قاله الأصمعي واختاره الحريري في «الدرة». وفي «الصحاح» المواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومثله في «القاموس»، وعن أبـي علي أنه قال: المواترة أن يتبع الخبر الخبر والكتاب الكتاب فلا يكون بينهما فصل كثير، ونقل في «البحر» عن بعض أن المواترة التتابع بغير مهلة، وقيل: هو التتابع مطلقاً، والتاء الأولى بدل من الواو كما في تراث وتجاه ويدل على ذلك الاشتقاق، وجمهور القراء والعرب على عدم تنوينه فألفه للتأنيث كألف دعوى وذكرى وهو مصدر في موضع الحال والظاهر أنه حال من المفعول، والمراد كما قال أبو حيان والراغب وغيرهما ثم أرسلنا رسلنا متواترين، وقيل: حال من الفاعل والمراد أرسلنا متواترين. وقيل هو صفة لمصدر مقدر أي إرسالاً متواتراً، وقيل مفعول مطلق لأرسلنا لأنه بمعنى واترنا.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وأبو جعفر وشعبة وابن محيصن والإمام الشافعي عليه الرحمة { تَتْرَى } بالتنوين وهو / لغة كنانة، قال في «البحر»: وينبغي عند من ينون أن تكون الألف فيه للإلحاق كما في أرطى وعلقى لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة، وقيل: إنها لا توجد فيها. وقال الفراء: يقال تتر في الرفع وتتر في الجر وتترا في النصب فهو مثل صبر ونصر ووزنه فعل لا فعلى ومتى قيل تترى بالألف فألفه بدل التنوين كما في صبرت صبراً عند الوقف. ورد بأنه لم يسمع فيه إجراء الحركات الثلاث على الراء وعلى مدعيه الإثبات. وأيضاً كتبه بالياء يأبى ذلك، وما ذكرنا من مصدرية { تَتْرَى } هو المشهور، وقيل: هو جمع، وقيل: اسم جمع وعلى القولين هو حال أيضاً.

وقوله تعالى: { كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } استئناف مبين لمجيء كل رسول لأمته ولما صدر عنهم عند تبليغ الرسالة، والمراد بالمجيء إما التبليغ وإما حقيقة المجيء للإيذان بأنهم كذبوه في أول الملاقاة، وإضافة الرسول إلى الأمة مع إضافة كلهم فيما سبق إلى نون العظمة لتحقيق أن كل رسول جاء أمته الخاصة به لا أن كلهم جاؤا كل الأمم وللإشعار بكمال شناعة المكذبين وضلالهم حيث كذبوا الرسول المعين لهم، وقيل: أضاف سبحانه الرسول مع الإرسال إليه عز وجل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإرسال الذي هو مبدأ الأمر منه تعالى والمجيء الذي هو منتهاه إليهم.

السابقالتالي
2