الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ }

{ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا } أي الأشراف { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } وصف الملأ بالكفر مع اشتراك الكل فيه للإيذان بكمال عراقتهم وشدة شكيمتهم فيه، وليس المراد من ذلك إلا ذمهم دون التمييز عن أشراف آخرين آمنوا به عليه السلام إذ لم يؤمن به أحد من أشرافهم كما يفصح عنه قول:مَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } [هود: 27] وقال الخفاجي: يصح أن يكون الوصف بذلك للتمييز وإن لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأن من أهله عليه السلام المتبعين له أشرافاً؛ وأما قول:مَا نَرَاكَ } [هود:27] الخ فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين له من الأشراف، وأياً ما كان فالمعنى فقال الملأ لعوامهم { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } أي في الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة، ووصفوه بقوله سبحانه: { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } إغضاباً للمخاطبين عليه عليه السلام وإغراءً لهم على معاداته، والتفضل طلب الفضل وهو كناية عن السيادة كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم، وقيل: صيغة التفعل مستعارة للكمال فإنه ما يتكلف له يكون على أكمل وجه فكأنه قيل: يريد كمال الفضل عليكم.

{ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليه السلام أي ولو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلاً من الملائكة، وإنما قيل { لأَنزَلَ } لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال فمفعول المشيئة مطلق الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه كما في قوله تعالى:وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ } [النحل: 9] ولا بأس في ذلك، وأما القول بأن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا لم يكن أمراً غريباً وكان مضمون الجزاء فهو ضابطة للحذف المطرد فيه لا مطلقاً فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن، وعلى هذا يجوز أن يقال: التقدير ولو شاء الله تعالى عبادته وحده لأنزل ملائكة يبلغوننا ذلك عنه عز وجل وكان هذا منهم طعن في قوله عليه السلام لهم:ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [هود: 50] وكذا قوله تعالى: { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } بل هو طعن فيما ذكر على التقدير الأول أيضاً وذلك بناءً على أن { هَـٰذَا } إشارة إلى الكلام المتضمن الأمر بعبادة الله عز وجل خاصة والكلام على تقدير مضاف أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام في آبائنا الماضين قبل بعثته عليه السلام، وقدر المضاف لأن عدم السماع بكلام نوح المذكور لا يصلح للرد فإن السماع بمثله كاف للقبول، وقيل: الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات فلا حاجة إلى تقدير المضاف وهو كلام وجيه؛ ثم إن قولهم هذا إما لكونهم وآبائهم في فترة وإما لفرط غلوهم في التكذيب والعناد وانهماكهم في الغي والفساد، وأياً ما كان ينبغي أن يكون هو الصادر عنهم في مبادي دعوته عليه السلام كما ينبـىء عنه الفاء الظاهرة في التعقيب في قوله تعالى: { فَقَالَ ٱلْمَلأُ } الخ.

السابقالتالي
2