الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }

{ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي بذلك الماء وهو ظاهر فيما عليه السلف، وقال الخلف: المراد أنشأنا عنده { جَنَّـٰتٍ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ } قدمهما لكثرتهما وكثرة الانتفاع بهما لا سيما في الحجاز والطائف والمدينة { لَكُمْ فِيهَا } أي في الجنات { فَوٰكِهُ كَثِيرَةٌ } / تتفكهون بها وتتنعمون زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي، والمراد بها ما عدا ثمرات النخيل والأعناب. { وَمِنْهَا } أي من الجنات والمراد من زروعها وثمارها، و(من) ابتدائية وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول { تَأْكُلُونَ } والمراد بالأكل معناه الحقيقي. وجوز أن يكون مجازاً أو كناية عن التعيش مطلقاً أي ومنها ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته، وجوز أن يعود الضميران للنخيل والأعناب أي لكن في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والدبس من كل منهما وغير ذلك وطعام تأكلونه فثمرتهما جامعة للتفكه والغذاء بخلاف ثمرة ما عداهما وعلى هذا تكون الفاكهة مطلقة على ثمرتهما. وذكر الراغب في الفاكهة قولين: الأول أنها الثمار كلها، والثاني أنها ما عدا العنب والرمان، وصاحب «القاموس» اختار الأول وقال: قول مخرج التمر والرمان منها مستدلاً بقوله تعالى:فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [الرحمٰن: 68] باطل مردود، وقد بينت ذلك مبسوطاً في «اللامع المعلم العجاب» اهـ.

وأنت تعلم أن للفقهاء خلافاً في الفاكهة فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها التفاح والبطيخ والمشمش والكمثرى ونحوها لا العنب والرمان والرطب، وقال صاحباه: المستثنيات أيضاً فاكهة وعليه الفتوى، ولا خلاف كما في القهستاني نقلاً عن الكرماني في أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليس بفاكهة. وفي «الدر المختار» أن الخلاف بين الإمام وصاحبيه خلاف عصر، فالعبرة فيمن حلف لا يأكل الفاكهة العرف فيحنث بأكل ما يعد فاكهة عرفاً ذكر ذلك الشمني وأقره الغزي، ولا يخفى أن شيئاً واحداً يقال له فاكهة في عرف قوم ولا يقال له ذلك في عرف آخرين، ففي «النهر» عن «المحيط» ما روي من أن الجوز واللوز فاكهة فهو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه اهـ، ثم إني لم أر أحداً من اللغويين ولا من الفقهاء عد الدبس فاكهة فتدبر ولا تغفل.