الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ }

والضمير في قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً } عائد على الجنس باعتبار أفراده المغايرة لآدم عليه السلام، وإذا أريد بالإنسان أولاً آدم عليه السلام فالضمير على ما في «البحر» عائد على غير مذكور وهو ابن آدم، وجاز لوضوح الأمر وشهرته وهو كما ترى أو على الإنسان، والكلام على حذف مضاف أي ثم جعلنا نسله، وقيل يراد بالإنسان أولاً آدم عليه السلام وعند عود الضمير عليه ما تناسل منه على سبيل الاستخدام، ومن البعيد جداً أن يراد بالإنسان أفراد بني آدم والضمير عائد عليه ويقدر مضاف في أول الكلام أي ولقد خلقنا أصلاً الإنسان الخ، ومثله أن يراد بالإنسان الجنس أو آدم عليه السلام والضمير عائد على { سُلَـٰلَةٍ } والتذكير بتأويل المسلول أو الماء أي ثم صيرنا السلالة نطفة. والظاهر أن { نُّطْفَةٍ } في سائر الوجوه مفعولاً ثانياً للجعل على أنه بمعنى التصيير وهو على الوجه الأخير ظاهر، وأما على وجه عود الضمير على الإنسان فلا بد من ارتكاب مجاز الأول بأن يراد بالإنسان ما سيصير إنساناً، ويجوز أن يكون الجعل بمعنى الخلق المتعدي إلى مفعول واحد ويكون { نُّطْفَةٍ } منصوباً بنزع الخافض واختاره بعض المحققين أي ثم خلقنا الإنسان من نطفة كائنة { فِى قَرَارٍ } أي مستقر وهو في الأصل مصدر من قر يقر قراراً بمعنى ثبت ثبوتاً وأطلق على ذلك مبالغة؛ والمراد به الرحم ووصفه بقوله تعالى: { مَكِينٍ } أي متمكن مع أن التمكن وصف ذي المكان وهو النطفة هنا على سبيل المجاز كما يقال طريق سائر، وجوز أن يقال: إن الرحم نفسها متمكنة ومعنى تمكنها أنها لا تنفصل لثقل حملها أو لا تمج ما فيها فهو كناية عن جعل النطفة محرزة مصونة وهو وجه وجيه.