الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

{ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } قال الحسن والفراء: أي ما عظموه سبحانه حق تعظيمه فإن تعظيمه تعالى حق تعظيمه أن يوصف بما وصف به نفسه ويعبد كما أمر أن يعبد وهؤلاء لم يفعلوا ذلك فإنهم عبدوا من دونه من لا يصلح للعبادة أصلاً وفي ذلك وصفه سبحانه بما نزه عنه سبحانه من ثبوت شريك له عز وجل. وقال الأخفش: أي ما عرفوه حق معرفته فإن معرفته تعالى حق معرفته التصديق به سبحانه موصوفاً بما وصف به نفسه وهؤلاء لم يصدقوا به كذلك لشركهم به وعبادتهم من دونه من سمعت حاله، وقيل: حق المعرفة أن يعرف سبحانه بكنهه وهذا هو المراد في قوله عليه الصلاة والسلام: " سبحانك ما عرفناك حق معرفتك " وأنت تعلم أن الظاهر أن قوله تعالى: { مَا قَدَرُواْ } الخ إخبار عن المشركين وذم لهم ومتى كان المراد منه نفي المعرفة بالكنه كان الأمر مشتركاً بينهم وبين الموحدين فإن المعرفة بالكنه لم تقع لأحد من الموحدين أيضاً عند المحققين ويشير إلى ذلك الخبر المذكور لدلالته على عدم حصولها لأكمل الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام وإذا لم تحصل له صلى الله عليه وسلم فعدم حصولها لغيره بالطريق الأولى، واحتمال حمل المعرفة المنفية فيه على اكتناه الصفات لا يخفى حاله، وكذا احتمال حصول المعرفة بالكنه له عليه الصلاة والسلام بعد الإخبار المذكور، وقوله صلى الله عليه وسلم: " تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تفكروا في ذاته فإنكم لن تقدروا قدره " والظاهر عموم الحكم دون اختصاصه بالمخاطبين إذ ذاك.

وقول الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه: العجز عن درك الإدراك إدراك، وقول علي كرم الله تعالى وجهه متماً له بيتاً: والبحث عن سر ذات الله إشراك بل قال حجة الإسلام الغزالي وشيخه إمام الحرمين والصوفية والفلاسفة بامتناع معرفته سبحانه بالكنه. ونقل عن أرسطوا أنه قال في ذلك: كما تعتري العين عند التحديق في جرم الشمس ظلمة وكدورة تمنعها عن تمام الإبصار كذلك تعتري العقل عند إرادة اكتناه ذاته تعالى حيرة ودهشة تمنعه عن اكتناهه سبحانه. / ولا يخفى أنه لا يصلح برهاناً للامتناع وغاية ما يقال: إنه خطابـي لا يحصل به إلا الظن الغير الكافي في مثل هذا المطلب، ومثله الاستدلال بأن جميع النفوس المجردة البشرية وغيرها مهذبة كانت أو لا أنقص تجرداً وتنزهاً من الواجب تعالى والأنقص يمتنع له اكتناه من هو أشد تجرداً وتنزهاً منه كامتناع اكتناه الماديات للمجردات، وكذا الاستدلال بكونه تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد فيمتنع إدراكه كما يمتنع إدراك البصر ما اتصل به، وأحسن من ذلك كله ما قيل: إن معرفة كنهه ليست بديهية بالضرورة بالنسبة إلى شخص وإلى وقت فلا تحصل لأحد في وقت بالضرورة فتكون كسبية والكسب إما بحد تام أو ناقص وهو محال مستلزم لتركب الواجب لوجوب تركب الحد من الجنس القريب أو البعيد ومن الفصل مع أن الحد الناقص لا يفيد الكنه، وأما الحد البسيط بمفرد فمحال بداهة فإن ذلك المفرد إن كان عين ذاته يلزم توقف معرفة الشيء على معرفة نفسه من غير مغايرة بينهما ولو بالإجمال والتفصيل كما في الحد المركب مع حده التام، وإن كان غيره فلا يكون حداً بل هو رسم أو مفهوم آخر غير محمول عليه وإما برسم تام أو ناقص ولا شيء منهما مما يفيد الكنه بالضرورة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6