الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ } أي جعل ما فيها من الأشياء مذللة لكم معدة لمنافعكم تتصرفون فيها كيف شئتم، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر { وَٱلْفُلْكِ } بالنصب وإسكان اللام. وقرأ ابن مقسم والكسائي عن الحسن بضمها وهو معطوف على { مَا } عطف الخاص على العام تنبيهاً على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها. وجوز أن يكون عطفاً على الاسم الجليل، وقوله تعالى: { تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } على الأول حال منه وعلى الثاني خبر لأن وتكون الواو قد عطفت الاسم على الاسم والخبر على الخبر وهو خلاف الظاهر. وفي «البحر» هو إعراب بعيد عن الفصاحة. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني { وَٱلْفُلْكِ } بالرفع على الابتداء وما بعده خبره والجملة مستأنفة. وجوز أن تكون حالية، وقيل: يجوز أن يكون الرفع بالعطف على محل { أَن } مع اسمها وهو على طرز العطف على الاسم.

{ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ } أي عن أن تقع عليها فالكلام على حذف حرف الجر و { أَن } وما بعدها في تأويل مصدر منصوب أو مجرور على القولين المشهورين في ذلك، وجعل بعضهم ذلك في موضع المفعول لأجله بتقدير كراهة أن تقع عند البصريين، والكوفيون يقدرون لئلا تقع. وقال أبو حيان: الظاهر أن { تَقَعَ } في موضع نصب بدل اشتمال من السماء أي ويمنع وقوع السماء على الأرض. ورد بأن الإمساك بمعنى اللزوم يتعدى بالباء وبمعنى الكف بعن وكذا بمعنى الحفظ والبخل كما في «تاج المصادر» وأما بمعنى المنع فهو غير مشهور. وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه مشهور مصرح به في «كتب اللغة»، قال الراغب: يقال أمسكت عنه كذا أي منعته قال تعالى:هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } [الزمر: 38] وكنى عن البخل بالإمساك اهـ، وصرح به الزمخشري والبيضاوي في تفسير قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فاطر: 41] نعم الأظهر هو الإعراب الأول.

والمراد بإمساكها عن الوقوع على الأرض حفظ تماسكها بقدرته تعالى بعد أن خلقها متماسكة آناً فآناً. وعدم تعلق إرادته سبحانه بوقوعها قطعاً قطعاً، وقيل إمساكه تعالى إياها عن ذلك بجعلها محيطة لا ثقيلة ولا خفيفة، وهذا مبني على اتحاد السماء والفلك وعلى قول الفلاسفة المشهور / بأن الفلك لا ثقيل ولا خفيف، وبنوا ذلك على زعمهم استحالة قبوله الحركة المستقيمة وفرعوا عليه أنه لا حال ولا بارد ولا رطب ولا يابس، واستدلوا على استحالة قبوله الحركة المستقيمة بما أبطله المتكلمون في «كتبهم». والمعروف من مذهب سلف المسلمين أن السماء غير الفلك وأن لها أطيطاً لقوله عليه الصلاة والسلام: " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد "

السابقالتالي
2