الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء } أي من جهة العلو { مَاءً } أي ألم تعلم ذلك، وجوز كون الرؤية بصرية نظراً للماء المنزل، والاستفهام للتقرير، وقوله تعالى: { فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } أي فتصير، وقيل تصبح على حقيقتها والحكم بالنظر إلى بعض الأماكن تمطر السماء فيها ليلاً فتصبح الأرض مخضرة، والأول أولى عطف على { أَنَزلَ } والفاء مغنية عن الرابط فلا حاجة إلى تقدير بإنزاله، والتعقيب عرفي أو حقيقي وهو إما باعتبار الاستعداد التام للإخضرار أو باعتباره نفسه وهو كما ترى، وجوز أن تكون الفاء لمحض السبب فلا تعقيب فيها، والعدول عن الماضي إلى المضارع لإفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان كما تقول: أنعم عليَّ فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكراً له ولو قلت: فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع أو لاستحضار الصورة البديعة ولم ينصب الفعل في جواب الاستفهام هنا في شيء من القراءات فيما نعلم وصرح غير واحد بامتناعه، ففي «البحر» أنه / يمتنع النصب هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وإن كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى:أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وكذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت: ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محدثاً إنما تأتينا ولا تحدث، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتينا فكيف تحدثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الاستفهام وينفي الجواب فيلزم من ذلك هنا إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار وهو خلاف المراد، وأيضاً جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام شرط وجزاء ولا يصح أن يقال هنا إن تر إنزال الماء تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس مترتباً على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال اهـ.

وإلى انعكاس المعنى على تقدير النصب ذهب الزمخشري حيث قال: لو نصب الفعل جواباً للاستفهام لأعطى ما هو عكس الغرض لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار لكن تعقبه صاحب «الفرائد» حيث قال: لا وجه لما ذكره صاحب «الكشاف» ولا يلزم المعنى الذي ذكر بل يلزم من نصبه أن يكون مشاركاً لقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } تابعاً له ولم يكن تابعاً لأنزل ويكون مع ناصبه مصدراً معطوفاً على المصدر التي تضمنه { أَلَمْ تَرَ } والتقدير ألم تكن لك رؤية إنزال الماء من السماء وإصباح الأرض مخضرة وهذا غير مراد من الآية بل المراد أن يكون إصباح الأرض مخضرة بإنزال الماء فيكون حصول اخضرار الأرض تابعاً للإنزال معطوفاً عليه اهـ وفيه بحث.

السابقالتالي
2