الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في الجهاد حسبما يلوح به قوله تعالى: { ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ } أي في تضاعيف المهاجرة. وقرأ ابن عامر { قتلوا } بالتشديد، ومحل الموصول الرفع على الابتداء، وقوله تعالى: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ } جواب لقسم محذوف والجملة خبره على الأصح من جواز وقوع القسم وجوابه خبراً، ومن منع أضمر قولاً هو الخبر والجملة محكية به.

وقوله سبحانه: { رِزْقًا حَسَنًا } إما مفعول ثان ليرزق على أنه من باب النقض والذبح أي مرزوقاً حسناً أو مصدر مبين للنوع، والمراد به عند بعض ما يكون للشهداء في البرزخ من الرزق، ويؤيده ما أخرجه ابن أبـي حاتم وابن مردويه عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات مرابطاً أجري عليه الرزق وأمن من الفتانين " واقرؤا إن شئتم { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ } [الحج: 58] إلى قوله تعالىحَلِيمٌ } [الحج: 59] وقد نص سبحانه في آية أخرى على أن الذين يقتلون في سبيل الله تعالى أحياء / عند ربهم يرزقون وليس ذلك في تلك الآية إلا في البرزخ وقال آخرون: المراد به ما لا ينقطع أبداً من نعيم الجنة. ورد بأن ذلك لا اختصاص له بمن هاجر في سبيل الله ثم قتل أو مات بل يكون للمؤمنين كلهم. وتعقب بأن عدم الاختصاص ممنوع فإن تنكير { رِزْقاً } يجوز أن يكون للتنويع ويختص ذلك النوع بأولئك المهاجرين، وقيل المراد تشريفهم وتبشيرهم بهذا الوعد الصادر ممن لا يخلف الميعاد المقترن بالتأكيد القسمي ويكفي ذلك في تفضيلهم على سائر المؤمنين كما في المبشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفيه نظر. وقال الكلبـي: هو الغنيمة، وقال الأصم: هو العلم والفهم كقول شعيب عليه السلام:وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } [هود: 88] ويرد عليهما أنه تعالى جعل هذا الرزق جزاء على قتلهم أو موتهم في تضاعيف المهاجرة في سبيل الله تعالى فلا يصح أن يكون في الدنيا ولعل قائل ذلك يقول: إنه في الآخرة وفيها تتفاوت مراتب العلم أيضاً.

وظاهر الآية على ما قيل: استواء من قتل ومن مات مهاجراً في سبيل الله تعالى في الرتبة وبه أخذ بعضهم. وذكر أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه فنزلت الآية مسوية بينهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابـي أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخرى متوفى فمال الناس على القتيل في سبيل الله تعالى فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله تعالى فقال: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ } الآية.

السابقالتالي
2